“الطائف الجديد” رهن نجاح “فيينا” والنظام الإقليمي الجديد
كتب سركيس نعوم في “النهار”:
قابلية التوقعات الإصلاحية المستقبلية الواردة في “الموقف هذا النهار” يوم أمس للتحقّق تتوقف على جدية قرار التعاون بين #الولايات المتحدة و#فرنسا لوقف إنهيار الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها، ولبدء العمل لإعادة الروح بل الحياة الى إقتصادها المنهار ومعه ماليتها العامة ومصارفها الخاصة كما مصرف لبنان. إذ لا يكفي أن تنصح الدولتان قادة لبنان وشعوبه وطوائفه ومذاهبه بسلوك طريق الإصلاح في القطاعات المتنوّعة التي فقدت مبرّر وجودها وقدرتها على العمل لأسباب يعرفها جيداً اللبنانيون والأجانب. بل يجب أن تقترن النصيحة بقرار جمع “الأمراء” الذين يمثلون شعوب لبنان وأقواهم وأكثرهم نفوذاً في الداخل والمحيط أي “حزب الله” وبرعاية حوار جدّي بينهم، كما بتقديم اقتراحات جدّية لهم تدفعهم الى التوافق سواء بعد تعديلها أو من دون إدخال أي تعديل عليها. علماً أنه يجب أيضاً أن يسبق هذا العمل الرعائي الفرنسي المباشر والأميركي غير المباشر لمؤتمر أو اجتماع “الأمراء” المشار إليهم الهادف الى وضع صيغة جديدة لدولة لبنان تنطلق في بعض مضمونها من اتفاق الطائف لعام 1989، إذ يجب أن يسبقه انتهاء مرحلة الانتظار الطويلة في فيينا بعد انتهاء المفاوضات غير المباشرة لكن العملية بين أميركا وإيران الإسلامية الى اتفاق شبه نهائي، والإقدام مباشرة على توقيع اتفاق إحياء “الاتفاق النووي” لعام 2015 ربما مع بعض الإيضاحات الجديدة والتأكيدات بعدما أخرج الرئيس السابق ترامب بلاده منه عام 2018 بقرار متهوّر لا يستند الى أي استراتيجيا جدّية. من شأن ذلك وضع المنطقة أمام مرحلة جديدة تفترض تحركات جديدة تمهّد لحلول جدّية دائمة أو مؤقتة أو ممهدة لحل مشكلات صغيرة أطاحت استقرار بعض دولها وزرعت الخلافات بين بعض آخر من هذه الدول، كما أفسحت في المجال أمام نشوب حروب صعبة بين بعض دولها أهمها على الإطلاق حرب اليمن. من شأن ذلك أيضاً بدء “شقّ” طريق توصل الى إقامة إقليمي جديد أي شرق أوسطي بعد انهيار نظام سايكس – بيكو الذي عمّر أقل من مئة سنة ببضع سنوات، وهو انهيار بدأه “الربيع العربي” الذي انطلق وبنجاح من تونس عام 2011 بـ”ثورة الياسمين”، ومن مصر بثورة الناس ودعم العسكر لهم، ثم الذي انتهى بعد بدء ربيع سوريا جرّاء الحرب الضروس التي أطلقها والتي دمّرت البلاد وخربطت المنطقة كلها بحيث صارت تسمية هذا الربيع الربيع العاصف والمدمر والفاشل. حتى ربيع تونس يهدّده الآن وجدّياً الانقسام الحاد داخل شعبها بين إسلاميي “حركة النهضة” (الإخوانية) والتيارات الديموقراطية، ثم “الإنقلاب” الدستوري والقانوني الذي بدأ تنفيذه رئيسها قيس بن سعيد منذ أشهر بتعليق الدستور وحل مجلس النواب وكفّ يد المجلس الأعلى للقضاء و…
ما هي ملامح النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط؟ قبل الجواب عن ملامحه وهويته إذا جاز التعبير، تجيب جهات سياسية محلية وعربية وديبلوماسية أجنبية جدّية جداً، لا بد من الإشارة الى أن العروبة ستكون غائبة عنه، هي التي كانت أعطته ومن زمان ولا سيما منذ ثورة يوليو 1952 في مصر التي قادها جمال عبد الناصر حتى انتقاله الى جوار ربه عام 1970، أعطته نكهة عربية واضحة. لم يكن يتصور أحد أن 22 دولة عربية بعضها كبير جداً ديموغرافياً وجغرافياً وثروات طبيعية متنوّعة يمكن أن يغيبوا عن النظام الإقليمي الجديد الذي يبدو أن الإعداد الجدي له بدأ في هدوء في أروقة حكومات الدول الكبرى في العالم وفي المنطقة وإداراتها وشعوبها في الوقت نفسه. انطلاقاً من ذلك تفيد الجهات المذكورة أن العروبة لا يمكن أن يلغيها أحد، إذ أنها قائمة ومتجذّرة منذ قرون وقرون. لكنها الآن في مرحلة تراجع خطير وانكفاء كبير بل غياب أو سبات عميقين وربما موت سريري. يعني ذلك أن جامعة الدول العربية الفاشلة منذ تأسيسها ستفقد عملياً وربما رسمياً أي مبرّر لوجودها. والدول العربية التي كان لها دور مهم سلباً وإيجاباً في ظل نظام سايكس – بيكو وتحديداً سوريا فقدت دورها بعد حربها المستمرة منذ 2011. إذ دُمّرت وتقسّمت عملياً وشُرّد شعبها في الداخل وهُجّر الى الخارج. ورغم أن نظامها حقّق نصراً عسكرياً مبدئياً منذ نحو سنتين تقريباً إلا أنه لم يصل الى مرحلة توحيد الأرض من جديد وتأسيس نظام سياسي يُرضي شعبه أو “شعوبه” ويُمهّد لعودة النازحين واللاجئين داخل بلاده وخارجها ولإعادة بناء بلاده ولعيش الجميع في حرية وكرامة. فضلاً عن أن قراره أي النظام السوري لم يعد سورياً فقط بل صار إيرانياً – روسياً أيضاً.
طبعاً لا تزال مصر الدولة العربية الأكبر جغرافياً وديموغرافياً لكنها لم تعد زعيمة العرب لأسباب متداولة ومعروفة، وطبعاً أيضاً صارت المملكة العربية السعودية رقماً صعباً في المنطقة أو بدأت تصبح كذلك بعدما باشر ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان إعادة بنائها شعبياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وإنماءً معتمداً على ثروتها النفطية والغازية الهائلة وثرواتها الضخمة الأخرى. لكن إنجاز هذه المهمة ليس سريعاً، لذلك فإنها ومصر لن تكونا قياديتين في النظام الإقليمي الجديد. هناك في المنطقة اليوم دولتان مهمتان جداً وقويتان، الأولى إسرائيل الصغيرة الجغرافيا والديموغرافيا والضخمة بحداثتها وتطورها التكنولوجي والعسكري وحيازتها أسلحة نووية منذ عقود، والحاظية أكثر من أي دولة أخرى في العالم بحماية الولايات المتحدة ودعم روسيا وتعاطف الغرب وتعاون الصين الدولة الساعية من دون كلل لأن تصبح شريكاً لأميركا في زعامة العالم. الثانية هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تأسّست عام 1979 وأصبحت “تسيطر” الآن على أربع عواصم عربية كما قال مسؤولون فيها. والعالم ينتظر الآن عودة اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة ومجموعة الـ4+1 الى الحياة بعدما سحبها منه رئيسها ترامب عام 2018. ذلك أنه سيطلق مرحلة ترتيب طويلة الأمد للمنطقة بدايتها قيام نظام إقليمي جديد لها مثلث يضم إسرائيل وتركيا.
هل من عوامل مشتركة بين إسرائيل وإيران تعزّز قبول المجتمع الدولي عضوية الثانية في النظام الإقليمي الجديد للشرق الأوسط؟