رأي

الضمانات والتسويات في الحالة الأوكرانية

لا تمانع أوكرانيا في الدخول في مفاوضات مع روسيا من أجل تسوية تضمن لها سيادتها ووحدة أراضيها. وهي تطالب بضمانات، من بينها وجود قوات دولية على الأرض. وتعتبر تلك الضمانات مفتاح السلام. من جانبها فإن روسيا تصرّ على أن إنهاء الحرب مرهون بتسليم كييف بما قامت به موسكو من ضم لأراضٍ أوكرانية، وعدم انضمام كييف إلى حلف الناتو وغيرها من الأمور.
روسيا قبل الحرب بأشهر كانت تتحدث عن ضمانات. ولم يقف الأمر عند مجرد الأحاديث بل إنها عرضت على واشنطن منتصف ديسمبر(كانون الأول) 2021 مشروع اتفاقية لضمانات أمنية، وكذلك عرضت مشروع اتفاقية أخرى على حلف الناتو. وكلتا الوثيقتين قامت على توقف الحلف عن التوسع باتجاه الشرق، بما يعني عدم انضمام أوكرانيا وباقي الجمهوريات التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي للحلف، مع عدم وجود أنشطة للحلف داخل هذه الدول. أي أن روسيا كانت تريد تحصين مجالها الحيوي في تلك المنطقة. كما كانت هناك ترتيبات روسية أخرى مقترحة بخصوص التسلح. تقول روسيا إنها أمام عدم الاستجابة لمطالبها بخصوص الضمانات لم تجد بداً من شنّ عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
اليوم تطالب أوكرانيا بضمانات أمنية. من الواضح أنها تتعارض تماماً مع ما كانت تطرحه روسيا قبل الحرب. وإذا كانت كييف تطالب بضمانات، فإن موسكو هي الأخرى قد لا تكتفي بتجديد مطالبها بخصوص الضمانات التي سبق وطرحتها، وإنما قد تزيد عليها في ظل موقفها القوي على الأرض بعد ثلاث سنوات من القتال. وفي ظل التصدع الواضح بين الحلفاء الداعمين لأوكرانيا. وعلى الأغلب فإن الخلاف الأمريكي الأوكراني حول مسألة الضمانات التي تطالب بها كييف كانت سبباً رئيسياً في عدم التوقيع على اتفاق المعادن بين البلدين. وربما كان ذلك من بين أسباب ما حدث على الهواء مباشرة في مقابلة زيلينسكي مع ترامب ونائبه دي فانس في البيت الأبيض وليس العكس.
من يضمن الضمانات الأمنية؟ يبقى هذا السؤال مطروحاً. حيث إن الضمانات سوف تتضمن ترتيبات. هذه الترتيبات من المفترض أن يكون هناك قائمون على تنفيذها. تفاصيل كثيرة يمكن أن تثار بخصوص الترتيبات الفنية لأي ضمانات يتم الاتفاق عليها. لكن يبقى الأهم من ذلك توفر إرادة تنفيذها على أرض الواقع، والتعامل الإيجابي مع أي عثرات يمكن أن تعترضها. وفوق كل ذلك عدم النكوص عنها، سواء من جانب أحد الطرفين أو من جانب الأطراف الضامنة.
إن تسوية الصراع الروسي الأوكراني أو بالأحرى الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا في حاجة إلى ضمانات بألا يتجدد النزاع لاحقاً في حال تم الاتفاق على وقف العمليات العسكرية. فكثيرة هي اتفاقيات الضمانات التي وقّعت ثم تحولت إلى حبر على ورق في ظل معادلات وتفاعلات لم تكن في الحسبان عند توقيع هذه الاتفاقيات. وقد أدى ذلك إلى نشوب صراعات مسلحة بعضها طويل وحصد أرواحاً كثيرة، فضلاً عما خلّفه من دمار وضياع فرص للتنمية التي تستفيد منها أجيال يمكن أن تعيش حياة آمنة بدل أن تكون وقوداً لتلك الصراعات.

المصدر: الخليج

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى