الصين وروسيا.. رأس الدبوس السياسي لمواجهة البالون الأميركي
كتب د. علي الخشيبان, في “الرياض” :
الصين وروسيا تمتلكان فرصة أكبر من أميركا لفرض التعديلات الدولية على النظام العالمي، خاصة أن كتلة بريكس أصبحت تشبه كرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت أكثر، الصين قوة اقتصادية كبرى لا تحبذ اللجوء للقوة العسكرية، وتقف بجانبها روسيا القوة العسكرية التي تبدي استعدادها المستمر لاستخدام القوة العسكرية إذا دعت الحاجة..
الفكرة التي طالما حملها الرئيس بايدن حول الصين تقوم على مبدأ المنافسة وليس المواجهة، عبر سلوك سياسي يعتمد الضغط على الصين من خلال التحالفات والشراكات الأميركية سواء في شرق آسيا أو الشرق الأوسط أو أوروبا، وخلف كل هذا مسار هدفه مواجهة الصين بمعايير دولية والضغط عليها عبر منهجية استراتيجية تتعلق بحقوق الإنسان أو الاستبداد أو انتهاك القواعد الدولية، هذه باختصار كانت فكرة بايدن حول الصين، أما فيما يتعلق بروسيا فالمواجهة أكثر حدة من خلال الدعم العسكري اللامتناهي الذي قدمته أميركا لأوكرانيا، والواقع فإن السياسية الأميركية في عهد بايدن حاولت بناء سلسلة من نقاط الضعف الواضحة لدى كل من الصين وروسيا بهدف تأجيل التقدم الممكن تحقيقة على طريق النظام الدولي الذي أصبح مشاهداً على الخارطة السياسية الدولية.
في المقابل وعندما يعود ترمب إلى السلطة في يناير 2025م ليدرك العالم أن معادلة الصين ورسيا في مقابل أميركا سوف تتعرض لتحولات يجب عدم إغفالها، فترمب ومنذ إعادة انتخابه يفضل فكرة الصدام مع الصين، ووعد برفع الرسوم الجمركية وهو السلاح الأكثر استخداما لدى ترمب الذي شكل حكومة يتكون معظمها من الأثرياء الذين تتقاطع مصالحهم مع هذا التوجه، فمثلا: إيلون ماسك لديه علاقات تجارية مع الصين يصعب التضحية بها، هذا التحدي بين ترمب ومساعديه سواء من المسؤولين أو الأثرياء يتطلب الحذر الشديد لأن النتائج يمكن أن تكون كبيرة ليس على الأثرياء فقط ولكن أيضا على المواطن الأميركي.
فيما يتعلق بروسيا يقدم ترمب نفسه دائماً كصديق للرئيس بوتين، وترمب يفكر جدياً بإنهاء الحرب عبر مرحلة تفاوضية لوقف الحرب حيث يمكن أن تنتج عنها تنازلات قد تصل إلى خمس الأراضي الأوكرانية لصالح روسيا وعدم السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى الناتو، هذا السلوك الأميركي من قبل الرئيس ترمب خيار استراتيجي لوقف الحرب الذي وعد به ترمب الذي يدرك أن وقف الحرب في هذه المرحلة يأتي على حساب العلاقات الأميركية الأوروبية، التي بدا واضحا ومنذ فترة ترمب الأولى أنه لا يهتم بأوروبا كثيرا، وهذا ما يجعل التحدي الذي يواجه ترمب مرتبطا بقدرة الصين وروسيا في الفترة الثانية لترمب على التشكل كرأس دبوس سياسي سوف يكون في مواجهة البالون الأميركي (أميركا عظيمة) الذي يقوده ترمب لتحدي التقدم الذي يمكن لهاتين الدولتين تحقيقه في مسيرة النظام العالمي الجديد.
السنوات القادمة لترمب ستكون في مواجهة التحديات الكبرى فليس من الواضح أنها ستكون سنوات لتحقيق المكاسب بقدر ما هي سنوات سوف تستهلك الشعارات السياسية التي رفعها ترمب لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، فبين الصين وروسيا وأميركا يعيد التاريخ نفسه، فأميركا في عهد الرئيس نيكسون في سبعينيات القرن الماضي تقاربت مع الصين لكسب الموقف لتحييد الاتحاد السوفيتي وعزله، اليوم وبعد مرور أكثر من خمسة عقود تبدو هناك فرصة لترمب لفعل العكس من خلال تقريب روسيا من أجل عزل الصين، الحقيقة التي يمكن إدراكها تقوم على أن التاريخ عندما يعيد نفسه فهو يكرر ذات النتائج التي تم التوصل إليها في المرة الأولى ولكنه يعرضها بطريقة وفهم مختلف.
الصين وروسيا تمتلكان فرصة أكبر من أميركا لفرض التعديلات الدولية على النظام العالمي، خاصة أن كتلة بريكس أصبحت تشبه كرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت أكثر، الصين قوة اقتصادية كبرى لا تحبذ اللجوء للقوة العسكرية، وتقف بجانبها روسيا القوة العسكرية التي تبدي استعدادها المستمر لاستخدام القوة العسكرية إذا دعت الحاجة، في مقابل أوروبا التي تشعر بالقلق من انتصار روسيا من خلال فرض أميركي للسلام في أوكرانيا، وهذا بالتأكيد سيكون على حساب الاتحاد الأوربي غير المرغوب من قبل ترمب صاحب الشعار الأكثر حساسية لدول أوروبا، حيث إن الفكرة من إعادة أميركا عظيمة سوف تمر من فوق الجسر الأوربي المتهالك اقتصادياً وساسياً.
استراتيجيا لا يمكن التفاؤل أن فترة ترمب الثانية سوف تختلف كثيرا عن مرحلته الأولى لأن الأفكار نفسها ستعاد عبر الجملة السياسية نفسها والتي ستكون عنوان المرحلة (عودة أميركا عظيمة)، عملياً الإنجاز الذي حققته الصين اقتصاديا بجانب الصمود الروسي في حربها مع أوكرانيا بجانب الارتباك الذي تعاني منه أوروبا، كل تلك المعطيات هي مؤشرات يمكن البناء عليها أن رأس الدبوس الصيني الروسي أصبح يقترب بقوة من فكرة بالون أميركا العظيمة التي تستعد بلا شك مع نهاية فترة ترمب الثانية للاعتراف أن النظام العالمي يدخل مرحلة جديدة تفرض نظاماً عالميا سيتيح فكرة تعدد الأقطاب من جديد.