
كتبت “صحيفة الخليج” : منذ إقامة علاقات دبلوماسية بينهما في سبعينات القرن الماضي، مرت العلاقات الصينية – الأمريكية، بحالة من التعاون والصراع، تبادل خلالها زعماء البلدين الزيارات، وأبرما اتفاقات تعاون عدة، لكن عوامل متعددة، لعبت دوراً سلبياً خلال السنوات الأخيرة، أدت إلى انتقال البلدين إلى مرحلة الصراع، خصوصاً بعد أن بدأت الصين تخطو خطوات متسارعة، للمنافسة على النظام الدولي، من خلال ما حققته من إنجازات اقتصادية وإنمائية هائلة، إضافة إلى تعزيز قوتها العسكرية والتكنولوجية، وامتداد تأثيرها الاقتصادي في مختلف القارات، الأمر الذي عدّته الولايات المتحدة تحدياً لدورها، قوةً مهيمنة على النظام الدولي، كما عدّت الصين قوة صاعدة، تحاول منافستها؛ لذا بادرت إلى اتخاذ خطوات وقائية من خلال انتقال ثقلها العسكري إلى منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، والسعي إلى تطويق الصين، بتحالفات عسكرية إقليمية، وأخيراً فرض عقوبات اقتصادية وتقنية عليها، ثم العمل على تفجير أزمة تايوان، في محاولة منها، لكبح الصعود الصيني المتسارع.
وهكذا لم تعد العلاقات الصينية الأمريكية محكومة فقط بالمصالح الاقتصادية والتجارية؛ بل تحولت من التنافس العلني إلى حد الصراع العسكري، وهو ما أشارت إليه استراتيجية الأمن القومي الأخيرة، كون الصين المنافس الوحيد الذي لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولي، وأنها تواصل زيادة قوتها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والتكنولوجية، لتحقيق هذا الهدف، خصوصاً أنها بدأت تكسب المزيد من المواقع والدول والأسواق، ما بدا أنه يمثل تحولاً مهمّاً لم يعد بمقدور الولايات المتحدة السكوت عليه، خصوصاً أنها بدأت تفقد مكانتها وقدرتها، قوةً وحيدة مهيمنة، بعد هزيمتها في كل من العراق وأفغانستان، إضافة إلى أزماتها الداخلية.
من هذا المنطلق، فقد حددت استراتيجية الأمن القومي ثلاثة مجالات لاحتواء الصين؛ تتمثل في الاستثمار في أسس القوة الوطنية، وإقامة تحالفات عسكرية مع دول المحيط الهادئ، بهدف محاصرة الصين، والتنافس في المجالات التكنولوجية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، لكبح جماح تمدد الصين وصعودها. ومع ذلك تشير استراتيجية الأمن القومي الأمريكية إلى أن الصراع مع الصين «ليس حتمياً ولا مرغوباً فيه». كذلك أعلن الرئيس جو بايدن، مؤخراً، أن الولايات المتحدة «لا تسعى إلى الصراع مع الصين».
تدرك الولايات المتحدة والصين، معاً، أن تحوّل المنافسة بينهما إلى صراع ليس في مصلحتهما، كما أنه ليس في مصلحة السلام والأمن العالميين، خصوصاً أن الحرب الأوكرانية، باتت تشكل كابوساً يؤرق العالم.
إذاً، لا بد من التوصل إلى صيغة، ترسم حدوداً واضحة في هذه العلاقات المعقدة بين البلدين، تقوم على تبادل المصالح، وهو ما أكده الزعيم الصيني شي جين بينغ بأن بلاده مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة، لإيجاد سبل للتوافق لمصلحة البلدين.
فهل تكون القمة المرتقبة بين الزعيمين الصيني والأمريكي يوم 14 الشهر الجاري على هامش قمة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية مقدمة لإعادة العلاقات إلى مسار التعاون والتخلي عن مسار الصراع؟