الصين.. من الشراكة إلى التحالف
كتب د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج, في “الرياض”:
ذكرت في مقال كتبته عام 2019 بعد زيارة الصين، إنها ليست ضمن كبار المستثمرين في المملكة.. وكان الصينيون يفسرون ذلك، بأن جهودهم متركزة على التخلص من الفقر في البلد. بالفعل، فإن الصين كانت حتى عام 2020 تركز على محاربة الفقر، حيث تمكنت في العام المشار إليه من القضاء على الفقر المدقع، عندما أعلنت أكثر من 800 منطقة كانت تعدُّ شديدة الفقر منذ أقل من عشر سنوات، أنَّها تمكَّنت من الوصول لمستوى الدَّخل الذي يرفعها من القائمة.
ولذلك، بدأنا نلاحظ منذ ذلك الحين رفع الصين حجم استثماراتها في المملكة. ففي خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري وصل حجم الاستثمارات الصينية في بلدنا إلى 40.2 مليار دولار، مقارنة بـ 34.9 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي. بل إن الصين أصبحت أيضًا -وهذا على قدر كبير من الأهمية- على رأس أكبر مصدري الاستثمارات الأجنبية المباشر للمملكة، حيث ضخت 21.6 مليار دولار منذ عام 2021، وبعض هذه الاستثمارات يتركز في التقنيات النظيفة مثل البطاريات والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهذا يتجاوز -خلال نفس الفترة- استثمارات الولايات المتحدة البالغة 12.5 مليار دولار.
إن هذا التطور من شأنه أعطاء دفع قوي للعلاقات السعودية الصينية، القوية أصلاً. فالصين، مثلما ذكرت في مقال لي العام الماضي بعنوان: المنتدى الصيني العربي، تعتبر القمة السعودية – الصينية، والتي هي واحدة من بين 3 قمم عقدت في الرياض خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة في ديسمبر عام 2022، بأنها واحدة من أهم حلقات التطور للعلاقات بين البلدين. وهم يطلقون على هذا التطور مصطلح “روح الرياض”، في إشارة للقمم التي عقدت حينها في عاصمة المملكة.
وهكذا، فإن تصدر الصين لقائمة أكبر المستثمرين في المملكة من شأنه إعطاء زخم للعلاقات التي تطورت خلال العشرة أعوام الماضية، وأصبحت الصين بموجبها هي الشريك التجاري رقم واحد للمملكة، فهذا التطور يعني أن الصين قد أصبحت ليس فقط شريكا تجاريا رقم واحد معنا وإنما شريك اقتصادي لا ينازعه أي منازع. وهذا يعني أن شبكة المصالح التي تربطنا مع بعضنا البعض قد توسعت بشكل كبير، بحيث أصبحت مهيأة لإحداث نقلة نوعية في هذه العلاقات خلال الفترة القادمة.
إن كل المقدمات الضرورية، لتطور الشراكة الاستراتيجية بين البلدين إلى مستوى أعلى ربما تتوفر في المستقبل، وهذا ما حرص ولي العهد إلى الإشارة إليه خلال القمة الخليجية الصينية التي عقدت في ديسمبر عام 2022 في الرياض خلال زيارة الرئيس الصيني المشار إليها، عندما أشار، -يحفظه الله- إلى التوجه نحو تنسيق الأجندة والمواقف السياسية مع الصين.