الصين تهدد بعرقلة صفقة موانئ عالمية كبرى

هدّدت الصين بعرقلة صفقة بيع أكثر من 40 ميناءً حول العالم، من بينها موانئ في بنما، مملوكة لشركة «سي كيه هتشيسون» ومقرها هونغ كونغ، إلى شركتي «بلاك روك» الأميركية و«إم إس سي» السويسرية، ما لم تحصل شركة الشحن الصينية العملاقة «كوسكو» على حصة في الاتفاق، وفقاً لما نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مصادر مطّلعة.
وتأتي هذه التطورات في وقت حساس للعلاقات الاقتصادية بين الصين ودول أميركا اللاتينية، حيث تُعدّ بنما محوراً لوجيستياً حيوياً في التجارة العالمية بفضل موقعها الاستراتيجي على قناة بنما، التي تربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ.
وتُعدّ شركة «سي كيه هتشيسون» من أكبر مشغّلي الموانئ في العالم، وتمتلك أصولاً استراتيجية في آسيا، وأوروبا، وأميركا اللاتينية. ويبدو أن إدراج «كوسكو» بصفتها شريكاً صينياً رئيسياً في الصفقة أصبح شرطاً أساسياً من وجهة نظر بكين لضمان حماية مصالحها الاقتصادية العالمية، لا سيما في ظل تصاعد التوجهات الغربية لتقليص الاعتماد على البنية التحتية التي تسيطر عليها الصين.
وتتنافس القوى العالمية حالياً على النفوذ في البنية التحتية للنقل البحري، وتُعدّ شركة «كوسكو» أحد أبرز أذرع الصين الاقتصادية في هذا القطاع، حيث تدير وتملك حصصاً في موانئ متعددة حول العالم. وترى بكين أن استبعادها من هذه الصفقة الكبرى يشكل تهديداً لتوازن المصالح الجيوسياسية؛ ما دفعها إلى التلويح باستخدام نفوذها الدبلوماسي والتجاري للضغط على حكومة بنما، وعلى الأطراف المعنية بالصفقة.
هذه التهديدات قد تؤدي إلى تأخير، أو حتى إفشال الصفقة المقترحة؛ ما قد يُربك خطط تطوير البنية التحتية للموانئ في بنما وبلدان أخرى مشمولة بالاستحواذ. ويزيد ذلك من القلق لدى المستثمرين بشأن بيئة الأعمال والاستقرار التنظيمي في الأسواق الناشئة، إضافة إلى احتمال حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد الدولية؛ نظراً إلى أهمية هذه الموانئ بصفتها مراكز توزيع رئيسية.
كما أن هذا الضغط الصيني يعكس تحولاً استراتيجياً في استخدام النفوذ الاقتصادي أداةً للتأثير في القرارات الاستثمارية العالمية، لا سيما في مناطق تعدّ تقليدياً ضمن دائرة النفوذ الأميركي، مثل أميركا الوسطى والجنوبية.
وتُعدّ هذه الأزمة اختباراً لموازين القوى في الاقتصاد العالمي، حيث تتقاطع المصالح التجارية مع الحسابات السياسية الكبرى. ويرى مراقبون أنه ينبغي على الجهات التنظيمية في الدول المعنية دراسة الأبعاد الجيوسياسية للصفقة بحذر، لا سيما وأن التنازلات المحتملة لبكين قد تفتح الباب أمام تدخلات مماثلة مستقبلاً في صفقات استراتيجية أخرى.
في المقابل، فإن استبعاد الصين تماماً من مثل هذه العمليات قد يؤدي إلى تصعيد تجاري واسع، ويزيد من حدة الانقسام في النظام التجاري العالمي بين المحاور الغربية والشرقية.
ويؤكد تهديد الصين بإفشال صفقة الموانئ اتساع نطاق التنافس الاقتصادي بين القوى الكبرى ليشمل ليس فقط الأسواق، بل وأيضاً البنية التحتية العالمية. ويبقى التوصل إلى حل دبلوماسي يرضي جميع الأطراف ضرورياً لتجنّب أزمة أوسع قد تؤثر على استقرار التجارة الدولية واستثمارات الموانئ العالمية.