الصيغة “المفقودة” في قرار مجلس الأمن بشأن الحرب في غزة
كتب دافيد ايلقبل, في “DW” :
للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، يصدر مجلس الأمن قراراً يدعو إلى وقف “فوري” لإطلاق النار. ما حيثيات إصداره وتداعياته على مصير الرهائن الإسرائيليين ومدنيي غزة؟ وخبراء يتحدثون عن مدى إلزامية القرار.
يتعرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باستمرار لانتقادات من جهة عجزه عن منع الحروب أو حتى وقفها. وفشل مجلس الأمن مرات لا تحصى في الارتقاء إلى مستوى ملفات حادة. والسبب: حق النقض (الفيتو) للدول الخمسة دائمة العضوية.
وهذا هو الحال حتى الساعة في ما يتعلق بالحرب بين إسرائيل وحركة حماس ، التي تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
لماذا أمتنعت واشنطن عن التصويت؟
بعد خمسة أشهر ونصف من الحرب، صدر قرار يهدف إلى الضغط على الأطراف المتحاربة.
صوت 14 عضواً من أصل 15 لصالح القرار 2728. واللافت أن الولايات المتحدة لم تستخدم حق النقض هذه المرة، بل امتنعت عن التصويت. وهذا أمر أكثر من استثنائي، حيث أن الولايات المتحدة داومت في الماضي على استخدام حق النقض بشكل منتظم لصالح إسرائيل.
قام مركز الأبحاث الأمريكي The Chicago Council on Global Affairs (CCGA) بدراسة التصويت الأمريكي في مجلس الأمن منذ تأسيس الأمم المتحدة في عام 1945 وحتى نهاية 2023. وسجل المركز ما مجموعه 89 مرة استخدمت فيها واشنطن حق النقض، نصفها، أو 45 مرة بالضبط، ضد قرارات تنتقد إسرائيل.
وسارع البيت الأبيض إلى توضيح أن امتناعه عن التصويت لا يعني تغيراً في سياسته تجاه إسرائيل. وقال جون كيربي، مدير الاتصالات بمجلس الأمن القومي الأمريكي: “ما زلنا نريد وقف إطلاق النار، وما زلنا نريد إطلاق سراح الرهائن جميعهم، وإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وحتى كنا سنوافق على القرار لو تضمن إدانة حماس”.
ماذا يتضمن القرار 2728 بالضبط؟
وكما جرت العادة بالنسبة لقرارات مجلس الأمن، فهي تبدأ بمقدمة أو توطئة طويلة تؤكد على حرص المجلس على تناول القضية أو الأزمة ذات الصلة بالقرار.
أما البنود الفرعية فهي أكثر أهمية: أحدها يتضمن المطالبة بـ “وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، على أن يمهد الطريق لوقف دائم لإطلاق النار”.
كما يدعو إلى “الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن”. ويؤكد القرار أيضاً على ضرورة زيادة تدفق المساعدات وحماية المدنيين في جميع أنحاء قطاع غزة.
هل القرار ملزم؟
مجلس الأمن هو الهيئة الوحيدة في الأمم المتحدة التي تكون قراراتها ملزمة بموجب القانون الدولي. وهذا يعني أنه إذا لم تقم الدول المذكورة في القرارات بالوفاء بالالتزامات المفروضة عليها، فيمكن لمجلس الأمن أن يهدد بعقوبات أو أن يتخذ إجراءات أخرى.
القرار رقم 2728 معقد، حيث وصفه العديد من المسؤولين الأمريكيين والكوريين الجنوبيين بأنه غير ملزم بعد التصويت. وقالت كوريا الجنوبية إنه لم يرد ذكر “قرار” في أي موضع.
وتناولت أستاذة القانون هانا بيركينكوتر في نص باللغة الإنكليزية على البوابة الألمانية “Verfassungsblog” عن الكلمة المفقودة “قرار”: “إذا استخدم مجلس الأمن لغة التحذير، وأوصى، على سبيل المثال، باتخاذ تدابير، فإن هذا لا ينتج عنه إلزام قانوني”. ومع ذلك، ترى هانا بيركنكوتر أن هناك صيغة ملزمة: وهي “المطالبة” بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان. وفي نص القرار، هذا موجه إلى “جميع الأطراف” – أي إسرائيل وحماس.
وتعتقد أستاذة القانون هانا بيركينكوتر أن القرار ملزم ـ ولكنها ترى مع ذلك مشكلة جوهرية: “من يستطيع فرض تنفيذ قرار مجلس الأمن في الوضع الحالي؟. الأمر متروك للأطراف نفسها لتستجيب للقرار من عدمه”. ومن هنا فهي غير متحمسة نظراً لتجارب شهور الحرب الخمسة الماضية.
ما هي التبعات على إسرائيل؟
يزيد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت من توتر العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة باعتبارها الضامن الأمني والحليف الأكثر أهمية للدولة العبرية. وألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة رسمية لوفد إسرائيلي كانت مقررة إلى واشنطن في اللحظة الأخيرة.
ويأتي القرار في وقت يتراجع فيه الدعم الدولي لنهج نتنياهو في الحرب ضد حماس التي تصنفها ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
كما تدعو ألمانيا، باعتبارها حليفاً وثيقاً لإسرائيل، الحكومة الإسرائيلية بشكل متزايد إلى السماح بدخول المزيد من المساعدات إلى قطاع غزة والحيلولة دون معاناة المدنيين في حالة شنها المزيد من الأعمال العسكرية. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في القدس إنها “تشعر بالارتياح إزاء تبني القرارالأممي لأن كل يوم له أهميته”.
على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، يزيد القرار من الضغوط الهائلة أصلاً على نتنياهو. وتصدر الانتقادات الحادة عن المعارضة والكثير من الإسرائيليين، غير الراضين عن رئيس وزراء دولتهم ومجلس وزراءه الحربي، الذي لم يتمكن، بعد ما يقرب من ستة أشهر، من تحرير آخر 130 رهينة من قبضة حماس.
خلال هجومها الإرهابي على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت حركة حماس 1200 إسرائيلي، واختطفت 240 رهينة واقتادهم إلى قطاع غزة.
وبحسب الوسيط القطري، فإن القرار ليس له أي تأثير على المفاوضات الخاصة بالإفراج عن الرهائن. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماجد الأنصاري: “لم نر أي تأثير فوري على المحادثات، فهي تسير كما كانت قبل القرار”.
ومن غير المؤكد إلى أي مدى سيؤثر القرار على مفاوضات اطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، أو على وضع السكان المدنيين الفلسطينيين بشكل ملموس.