الصناعات العسكرية في المملكة ومفهوم الاستثمار
كتب د. طلال الحربي في صحيفة الرياض:
عادة ما يكون الحذر شديداً عند الحديث عن الشؤون العسكرية وما يتعلق بها، والمجالات العسكرية ولعل أهمها الصناعات العسكرية، والحذر في هذا المجال يأتي على عدة أوجه، أولها: أنه شأن سيادي يلزمه السرية بالدرجة الأولى، والوجه الثاني: أنه شأن تخصصي يلزمه تمكن الكاتب أو متناول الحديث في هذا المجال، ولكن ما سنقوم به خلال الفترة المقبلة حيال الهيئة العامة للصناعات العسكرية كحال بقية الهيئات الوطنية السعودية بالكتابة عنها وتوضيح طبيعة أعمالها وإنجازاتها، فإننا سنبدأ بتناول ملف الهيئة العامة للصناعات العسكرية لدينا في المملكة، ومن خلال توضيح كيفية تدار هذه الهيئة، والعوائد المنتظرة منها في الجانب الاستثماري سواء المحلي أو العالمي، وما دور برامج وسياسات الهيئة في رفد الاقتصاد السعودي، وماذا يعني مفهوم توطين الصناعات العسكرية، وكيفية مساهمة الهيئة في إنجاز أهداف رؤية المملكة 2030
مهنية وتخصصية الهيئة العامة للصناعات العسكرية أمر مهم ومهم للغاية، خاصة ونحن تتحدث عن دولة كبيرة غنية كالمملكة العربية السعودية، إضافة إلى أن المملكة وبحكم مركزها الإقليمي والجغرافي والسياسي الدولي، فإنه يلزم وجود قوة عسكرية ضامنة لحماية المملكة أولاً، وتقديم العون والمساهمة في تثبيت قواعد السلام العالمي، وحماية الوطن ومقدراته وإنجازاته، وكحال العديد من الدول التي تخصص ميزانيات ضخمة للدفاع والمشتريات العسكرية من أسلحة وخلافه، فإن السعودية منذ تأسيسها وهي تسعى بكل وضوح إلى تمكين القطاع العسكري لديها بتوفير أفضل وأقوى الأسلحة، والحصول على أحدث التطورات التكنولوجية في هذا المجال.
لكن ومنذ انطلاق رؤية المملكة 2030 والبدء فعلياً بتطبيق برنامج التحول الوطني، أصبح لدينا رؤية وسياسة واضحة في شأن قطاع التصنيع العسكري، إذ لم يعد ركن شراء الأسلحة لدينا هو الخيار الوحيد، بل وكحال بقية القطاعات الوطنية، فإن تمكين الهيئة العامة للصناعات العسكرية من دخول بوابة المنافسة الاستثمارية، وتوطين العديد من الصناعات العسكرية، وبالتالي إضافة إلى كل مهمات الهيئة التخصصية، فإن تنفيذ برامج استثمارية تهدف إلى رفد الهيئة وتخفيف العبء المالي على خزينة الدولة، وكذلك زيادة مساحات الخيارات لدى الهيئة دون الاعتماد الكلي والحصري على إيرادات الهيئة وحدها، وأيضاً زيادة مساحات الابتكار والإبداع من خلال تمويل التصنيع العسكري داخلياً ومن خلال أنشطة وصفقات الهيئة نفسها.
الهيئة العامة للصناعات العسكرية تنظم العديد من الفعاليات والمؤتمرات، ومن أهمها معرض الدفاع العالمي، الذي يحقق إيرادات ضخمة نتيجة لحجم الاستثمار الكبير الذي يتم فيه، وتوقع هذه الإيرادات أمر ليس بصعب، خاصة وكلنا نعلم جيداً حجم الإمكانيات الكبيرة والمهولة التي تخول المملكة وتسمح لها بتشكيل إدارة قوية في شؤون الاستثمار العسكري وتطوير الاقتصاد الصناعي في المجالات العسكرية، هذا الاقتصاد الذي لا بد وأن يكون ضمن قواعد الاستثمار العامة في قطاع آخر، الاستدامة والربحية والتوسع.
لدينا في المملكة إمكانيات متميزة، سواء مادية أو معنوية، وحتى العقول السعودية التي أثبتت خلال الخمس سنوات الماضية وعلى وجه التحديد، قدرتها على الابتكار والمنافسة، وتحقيق الريادة العالمية، فنحن نمتلك مواهب شابة متميزة قادرة على إدارة وتنفيذ برامج التصنيع العسكري من حيث الاستثمار والتوطين، أو حتى القدرة التصنيعية التخصصية مهنياً، ولدينا شركات صناعية ضخمة قادرة على إثراء برامج الصناعات العسكرية، وكل هذا إضافة إلى ما نمتلكه في المملكة من موارد طبيعية غنية، وهذه المنظومة كلها، تساهم في وضع المملكة في مصاف الدول العظمى الموثوق بها وصناعتها ومنتجاتها.
الهيئة العامة للصناعات العسكرية وكما يراد لها من لدن القيادة الرشيدة، بأنها ليست بوابة يتم من خلالها تقوية منظومة الدفاع الوطني عسكرياً وأمنياً فقط، بل وأيضاً بأن تكون قادرة على المساهمة في تقوية الاقتصاد الوطني، ورفد الناتج المحلي وإحداث التوازن في ميزان الصادرات والواردات، وخلق فرص عمل كثيرة ونوعية، والسعي بكل اقتدار إلى بناء نموذج تعليمي مستقبلي، يتم فيه بناء شخصية وفكر العامل في القطاع الصناعي العسكري منذ مراحل الدراسة الأولى لدى الشباب السعودي، فكما هنالك أحلام لدى أطفالنا بأن يصبح أحدهم طياراً أو طبيباً أو مهندساً، فهيئة التصنيع العسكري ستوجد أحلاماً لدى أطفالنا أجيال المستقبل، بأن يختاروا التصنيع العسكري كمهنة يبدعون فيها ويبتكروا كل ما هو جديد ومناسب يحمي وطنهم ويؤمن مستقبلهم.