رأي

الصفقة الأبديّة بين السياسي والشيطان

كتب نبيه البرجي في “الديار”:

يعود حين ترونه، وهذا أكثر من مستحيل، في … قصر اليمامة !

في 14 شباط 2022، وضعت الزهرة الأخيرة على ضريح رفيق الحريري. الورثة (أولياء الدم وأولياء المال) تفرقوا أيدي سبأ. الوصية الأخيرة لسعد الحريري، في التعميم الأخير ل “تيار المستقبل”: من يريد أن أن يضع ظهره بتصرف هذا الذي طعنني في الصدر، وذاك الذي طعنني في الخاصرة، فليستقل ويترشح…

الحريري يعرف أن هناك أحصنة طروادة داخل التيار. فؤاد السنيورة الذي يرى ما في شقوق الجدران، يعلم، ومنذ قصر قريطم والى بيت الوسط، كم هناك من بروتوس جاهز ليغرز الخنجر في خاصرة القيصر!

ماذا عن القاعدة؟ كما في سائر الطوائف، الطوابير بحاجة الى من يقودها، لا الى من يعتقها، ويخرجها من ليل الأقبية. الغرائز، لا المبادئ ولا القيم، هي التي تتحكم بـ “الجماهير”.

ad
محيي الدين بن عربي قال “الرئاسة حلوة الرضاعة مرة الفطام”. من اعتادوا على المقاعد الذهبية جاهزون ليبيعوا أنفسهم (وأرواحهم) كما في “فاوست”، رائعة غوته الشهيرة، للشيطان، وليبيعوا الرعايا أيضاً للشيطان. هذه صفقة أبدية بين السياسي والشيطان. لتزدادوا يقيناً، اقرأوا ما كتبه نيكولو مكيافيلي، حول “السحر الهيستيري للسلطة”.

كان يفترض أن يقفل ذلك البيت يوم اغتيل رفيق الحريري. هذا رجل ـ ظاهرة، أكنتم من محبيه أم كنتم من كارهيه. أي وريث لا يمكن أن يتقمص شخصيته، أو تجربته، أو أن يتعرف على الخطوط المتعرجة (الخطوط السرية) التي أوصلته الى القمة. هنا لبنان لا السعودية يا صاحب الجلالة. قالها، آنذاك، أحد حكماء السنّة، لللملك عبدالله حين بايع سعد للخلافة.

كثيرون تاجروا بجثة رفيق الحريري، والآن بـ “جثة” سعد الحريري. السوق السياسية مشرعة على كل الأوبئة الطائفية، والمذهبية. ليس صحيحاً أن الطائفة السنية (وهنا أهل الأمة) تحتاج الى 10 سنوات لانتاج “القائد”. اي قائد ؟ ألم نعايش ذلك الزمن الذي كان فيه صائب سلام، وعبدالله اليافي، وسامي الصلح، ورشيد كرامي؟

وليكن هناك خالد شهاب آخر. الرئيس سليمان فرنجية صدم حين رآه يترجل من سيارة أجرة متواضعة في باحة القصر الجمهوري وهو يتكئ على العكاز. الجنوبي الذي تبوأ منصب رئيس الحكومة لثلاث مرات، وكان يمتلك أراضي في فلسطين رفض أن يكون مثل غيره ويبيعها لليهود، حتى قيل “المير خالد جاع وما باع”!

الآن سباق على من يجد مقعداً في “صفقة القرن”. (هل تسمع يا استاذنا الكبير رضوان السيد؟) ولنسجل لسعد الحريري وقوفه الى جانب من أسقط الصفقة. وقد يكون هذا الموقف وراء الثمن الباهظ الذي دفعه في ذلك اليوم السعودي المرير.

ثمة من قال لسعد الحريري أن لبنان عند مفترق خطير. الانتخابات ليست أكثر من محطة فولكلورية. الغريب أن الأميركيين ينظرون اليها كونها ستنقل لبنان من حال الى حال. كل شيء يبدأ بالترسيم. هل حقاً أن ثمة رسالة “مشقرة وصلت الى أركان السلطة “اما أن تتبنوا الرؤية الأميركية للحل أو نعريكم حتى من ورقة التوت؟

حتى لو لم يكن هذا التهديد، ما البديل بيد لبنان؟ ذلك الدماغ الرائع للعميد بسام ياسين الذي يتمسك بالخط 29. هذه هي مثالية، المثالية الوطنية، لرجل عسكري في زمن البيع والشراء. ولكن أي قانون دولي يا حضرة العميد؟ حتى أن القانون الأميركي حل في هذا العالم محل القانون الالهي!

لا أوراق بأيدينا بل “قبض الريح”. دولة ركام وشعب ركام. كل نفط، وكل غاز، الشرق الأوسط بيد أميركا. آموس هوكشتاين قال لنا الترسيم طريقكم الى صندوق النقد الدولي كمدخل الى الخلاص من هذا الجحيم. هكذا وصلنا الى نقطة الصفر. غداً، نحمل من فعل بنا، وبغازنا، ما فعله على الأكف.

الورقة الوحيدة في وجه أميركا. لن يكون هناك حاخام على رأس الدولة في لبنان. ولن يكون لبنان ضاحية لراحيل ولصرخة راحيل. خارطة الطريق الأميركية تتوقف عند الغاز. ما البديل؟ أن تبقى ثرواتنا، مثلنا، في القاع؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى