الصديق العزيز غوتيريش
كتب وليد عثمان, في “الخليج” :
على هامش الحرب الدائرة في قطاع غزة، تخوض إسرائيل معركة خاصة مع الأمم المتحدة بكل منظماتها، وتستهدف على فترات متقاربة أمينها العام، أنطونيو غوتيريش، وتتهمه بمحاباة الفلسطينيين ودعم «الإرهاب»، بل طالبته بالاستقالة.
ليس من المعقول ادعاء أن المؤسسات الدولية انحازت في أي وقت إلى الجانب العربي في تاريخ المواجهات مع إسرائيل، فكم ضاعت مطالبات في أروقتها، وكم أهدرت التحالفات والارتهان لإرادات بعينها حقوقاً لا شك فيها، وتحول الجلّاد إلى ضحية.
وبالتالي، لا يمكن تصور أن هذه المؤسسات قررت التمرد فجأة على القواعد المنظمة لعملها وتدخلها في القضايا الدولية الملحة، وفي قلبها ما يجري في فلسطين منذ عقود ونعيش الآن إحدى أعنف موجاته.
كل ما جرى أن آثار هذه الموجة المتجاوزة كل حد إنساني هي التي دفعت الأمم المتحدة بمنظماتها الإنسانية إلى رفع الصوت في مواجهة إسرائيل، فأقل قدر من الضمير الإنساني لا يمكن أن يتجاوز الخسائر البشرية التي لا يزال الفلسطينيون في غزة يتكبدونها من أطفالهم ونسائهم تحديداً، وعلاقة ذلك بغياب الغذاء إلى حدٍ مهددٍ بالمجاعة، والدواء، والمؤسسات الطبية.
ليس بوسع الأمم المتحدة أن توقف الحرب، والقوى الكبرى تتقاتل بحق النقض حول القرارات المتعلقة بذلك، فتضيع الفرصة تلو الأخرى لإنهاء المأساة، لكن المنظمات الدولية الإنسانية امتلكت شجاعة الصراخ والتحذير المتكرر من عواقب ما يجري في غزة، بل إن أحد ممثليها بكى تأثراً وهو يروي تفاصيل المشاهد المروعة في القطاع.
صحيح أن هذه المنظمات تبدو مغلوبة على أمرها في ما يتعلق بالقرارات التنفيذية المتعلقة بإدخال المساعدات والمواد الإغاثية، لكنها تملك شجاعة الإشارة إلى ما يجري وتداعياته.
الأمر نفسه ينطبق على أنطونيو غوتيريش، فالرجل يبذل كل جهد إنساني ممكن منذ بداية الحرب لقطع الطريق على استفحال تبعاتها، خاصة الإنسانية، ووأد احتمالات توسعها في المنطقة، غير أن تصريحاته لم ترق للإسرائيليين فبدأوا الضغط عليه ومهاجمته إلى حد مطالبته بالاستقالة والامتناع عن التعامل معه.
لم يثنِ ذلك أنطونيو غوتيريش عن الاستمرار في دوره الإنساني، وليس السياسي، خاصة أن لديه خلفية عميقة في التعامل مع توابع الصراعات على البشر، وهو مستمر في التواصل مع الدول التي تبذل الجهد الأكبر في إغاثة الفلسطينيين في غزة للحفاظ على من تبقى منهم، ويراهن على هذه الدول في دعم المؤسسات الدولية الإنسانية، خاصة بعد تأثر وكالة الأونروا بالضغوط الإسرائيلية، ما دفع بعض البلدان إلى وقف تمويلها.
وقبل أن يستريح غوتيريش من زيارة رفح، ثم لقاءاته في القاهرة مع مسؤولين مصريين، منعت إسرائيل «الأونروا» نهائياً من توصيل مساعدات إلى شمال قطاع غزة حيث يكمن خطر المجاعة.
لا أحد يعلم مآلات مواجهة غوتيريش ورفاقه مع إسرائيل، لكنها تنتصر دوماً في وجه الأمم المتحدة، وربما نتذكر يوماً الرجل الذي وصفه شيخ الأزهر، الأحد، بعد استقباله بالصديق العزيز.