الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس تحتاج إلى رؤية جديدة

كتب أسامة رمضاني في صحيفة العرب.
نائب رئيس البنك الدولي السابق أوضح أن اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي تكرس نظرة مصلحية ضيقة الأفق بدل رؤية استشرافية لما أسماه “بالسيادات المتشابكة”.
بينما كان الدبلوماسيون الأوروبيون المعتمدون في تونس يحيون الذكرى الثلاثين لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس، كان فريد بلحاج الذي كان يشغل، حتى السنة الماضية، منصب نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يحاول الدفاع عن طرح يدعو إلى رؤية جديدة بخصوص الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي.
وقدّم بلحاج رؤيته بهذا الخصوص في ورقة بحثية نشرها مؤخرا مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، ومقره الرباط.
وقدم الكاتب، على مدى 16 صفحة، وجهة نظر متأنية تشكل فرصة ثمينة للقارئ العادي كي يطلع على وجهة نظر شخص في قيمة فريد بلحاج وخبرته ويستفيد من مقاربة تحليلية تتسم بالعمق والشفافية حول قضية معقدة من النوع الذي يتجنب المسؤولون عادة الخوض فيه.
وقد أبرز بلحاج منذ البداية أن اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس تحتاج إلى أكثر من مُجرّد تعديلات شكلية بل هي تتطلّب إصلاحا شاملا.
وأوضح أن اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي تكرس نظرة مصلحية ضيقة الأفق بدل رؤية استشرافية لما أسماه “بالسيادات المتشابكة”. ومن هذا المنظور تعتمد تونس على الاتحاد الأوروبي للحصول على الدعم الاقتصادي الذي تحتاجه، بينما تسعى أوروبا إلى “تصدير نقاط ضعفها إلى الخارج ومن ضمنها السيطرة على تدفق الهجرة، وضمان إمداداتها من الطاقة، خاصة في مجال الغاز والهيدروجين الأخضر، وتحقيق الاستقرار في مناطق العبور.”
ولاحظ بلحاج أن النموذج السائد بعد ثلاثين عاما هو نموذج “لتبادل الصفقات” وليس نموذجا للسعي نحو “تلاقي المصالح”.
وقال نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السابق أن تونس تحتاج إلى إعادة النظر في إستراتيجيتها في هذا المجال. وهذا لا يعني قطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، الذي تُمثل استثماراته أكثر من 80 في المئة من مجمل الاستثمارات الأجنبية في تونس، بل يعني التخلص من “التبعية الفكرية والمالية والسياسية التي شكّلت ثلاثة عقود من العلاقات غير المتكافئة.”
وهو يرى أن لتونس أسسا قوية تسمح لها بتبني موقف أكثر ثقة بالنفس في تفاوضها مع أوروبا، اعتبارا لأهمية موقعها الجغرافي (كهمزة وصل بين أفريقيا وأوروبا والعالم العربي)، ودورها في ضبط الهجرة، وإمكاناتها على صعيد تزويد أوروبا بالطاقة المستدامة التي تحتاجها.
ويُعرب الخبير الاقتصادي البارز عن تفاؤله بإمكانية مواءمة الاتحاد الأوروبي لنهجه تجاه تونس مع نموذج علاقاته في الثمانينات مع إسبانيا والبرتغال واليونان، حيث تلقت إسبانيا مثلا ما يماثل 2.7 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي سنويا كتمويلات هيكلية من الاتحاد الأوروبي لمساعدتها على إنجاز تحولها في مجالي الطاقة والصناعة بعد انضمامها إلى المجموعة الأوروبية. في المقابل، لم تتلقَّ تونس سوى ما يقارب 0.3 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي كمساعدات من أوروبا على مدى ثلاثة عقود، ولم تتضمن تلك المساعدات تنسيقا إستراتيجيا على صعيد سياسات التصنيع.
وقد دعم الاتحاد الأوروبي، بعد أحداث “الربيع العربي”، بشكل كبير التجربة الانتقالية التونسية التي تلت سقوط نظام حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي باعتبارها نموذجا إقليميا “للتحول الديمقراطي”.
إلا أن مرحلة التفاؤل الأولى تحولت في مرحلة لاحقة إلى خيبة أمل متبادلة. فرغم أن الاتحاد الأوروبي وفّر مساعدات محترمة لتونس فإن مستوى هذه المساعدات، لم يرتق أبدا إلى مستوى خطة مارشال كان يطمح إليها الكثير من التونسيين الحالمين بالارتباط اقتصاديا بالقاطرة الأوروبية. وبشكل مواز أدى فشل الحكومات التونسية المتعاقبة في تنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية عميقة بعد 2011 إلى ركود مستوى النمو في البلاد.
والآن، وكما يتضح من مذكرة التفاهم لعام 2023 المبرمة بين الجانبين، تحوّلت الهجرة إلى قضية محورية. وتناول بلحاج هذا الموضوع “الحساس سياسيا” بجرأة مقدما بخصوصه مقترحات محددة ومفيدة.
وأكد بالقول إنه أمام سعي أوروبا لتصدير سياستها المتعلقة بالهجرة إلى الخارج، ينبغي على تونس أن تردّ بتصدير مطالبها إلى الخارج أيضا. وذكر أن ذلك يعني اتّباع إستراتيجية لتبادل المصالح تربط التعاون في مجالي الهجرة النظامية وغير النظامية، وما يعنيه ذلك من دعم أوروبي للكفاءات التونسية المهاجرة إلى أوروبا، وتخصيص استثمارات لتنمية المناطق الأكثر تصديرا للمهاجرين غير النظاميين في تونس، ومساعدة المهاجرين العائدين من أوروبا على إعادة الاندماج، بدلا من السعي إلى حصر الدور التونسي في الحد من الهجرة غير الشرعية.
ويرى بلحاج في مثل هذا الربط فرصة مربحة لكل من تونس والاتحاد الأوروبي.
وتشكل أفكار بلحاج مقترحات لافتة في بلاد تتدفق منها أعداد كبيرة من الكفاءات التونسية في مختلف التخصصات، من بينهم المهندسون والأطباء والجامعيون الذين يبحثون عن رواتب أفضل وفرص أرحب للعمل والعيش في أوروبا.
وفي نفس الوقت، يواجه الاتحاد الأوروبي نقصا في اليد العاملة وشيخوخة سكانية عارمة. فقد انخفض النمو السكاني في أوروبا من ثلاثة ملايين نسمة كل عام في الستينات إلى 0.9 مليون بين عامي 2005 و2024.
وسجل عدد سكان أوروبا نموا سنة 2024 بنحو 1.07 مليون نسمة بفضل وصول 2.3 مليون مهاجر من خارج الاتحاد الأوروبي.
وأعلنت إيطاليا، وهي أكثر دول القارة معاناة من الشيخوخة، أنها ستمنح حوالي 500 ألف تأشيرة عمل جديدة لمواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي بين عامي 2026 و2028.
ويدعو بلحاج في نهاية المطاف إلى أكثر من مجرد سياسات هجرة عادلة، فهو يؤكد على ضرورة تبني نموذج جديد للتنمية المشتركة والاستثمار يركّز على نقل التكنولوجيا وخلق فرص عمل ذات قيمة مضافة عالية، والتخلي عن سياسة الاعتماد على العمالة الرخيصة لجذب الاستثمارات الأوروبية.
ويحثّ الدبلوماسي التونسي السابق رفيع المستوى على بناء علاقات شراكة جديدة تُعطي الأولوية للأخذ بعين الاعتبار لمصالح الطرفين، بعيدا عن السعي وراء مفاهيم مجردة مثل “تلاقي الإستراتيجيات” ومحاولة إدخال تعديلات “تقنوقراطية” على السياسات المتبعة.
ويُحذّر بلحاج في الختام من أن هذه “الشراكة ستنهار حتما دون تحول إستراتيجي حقيقي، وذلك بسبب السأم المتبادل من الأوضاع الحالية أو نتيجة الجمود السياسي”.وبالطبع ليست هذه النتيجة التي يتمناها أيّ من الطرفين بعد ثلاثة عقود من توقيع الاتحاد الأوروبي لأول اتفاقية من هذا القبيل مع دولة مغاربية.