السياسة التي أعادت المنطقة إلى عهد الأساطيل
كتب طوني فرنسيس في صحيفة نداء الوطن.
تطمح إيران إلى إعادة رسم المشرق العربي أو ما تسميه في ادبياتها بـ»منطقة غرب آسيا». وهي سعت وتسعى إلى تغيير وجه هذه المنطقة كهدف مركزي لسياستها الإقليمية، وقد حققت نجاحات كبرى في العراق وسوريا ولبنان، حيث تمدد نفوذها عبر الوكلاء والأنصار وبسبب ميوعة الحكّام واستسلامهم.
كان نهج توسيع النفوذ يسير على ما أرادت طهران حتى اندلاع عملية «حماس» وحرب غزة التي أعقبتها. حاولت إيران إخفاء مسؤلياتها عن التحريض أو التمويل أو القرار بهجوم «طوفان الاقصى»، لكن قادتها لم يتحملوا الصمت طويلاً. قالوا إنّ العملية هي ردّ على اغتيال قاسم سليماني، وبعضهم استطرد ليوظّفها في سياق المعركة ضد التطبيع والممر الاقتصادي الهندي عبر الجزيرة العربية، وجزم آخرون في خلاصات استراتيجية أنّ «الطوفان» هو ما سيدفع الأميركيين إلى الخروج نهائياً من «غرب آسيا» المنطقة العزيزة على قلب المرشد.
لكن توقعات إيران ومشاريعها باءت بفشل ذريع. فقد أدّى «الطوفان» إلى استنفار دولي غربي لدعم إسرائيل والصفح عن مجازرها في غزة. وجعل تحريك الإيرانيين للحوثيين في البحر الأحمر، من هذا البحر بحيرة للأساطيل الأجنبية، الأميركية والاوروبية خصوصاً، ويمتد نشاط هذه الأساطيل إلى الخليج العربي ومضيق هرمز…
وأخيراً أرادت إيران بعد أربعين عاماً من الصبر الاستراتيجي أن ترد على صفعات إسرائيل المتلاحقة، سعياً لاستعادة هيبة النظام في الداخل وسطوته على الأذرع في الإقليم، فأطلقت صواريخ ومسيرات على «بلاد العدو» لتكتشف أنّها رغم ابلاغها المسبق عن الضربة، واجهت وتواجه غرباً بكامله، يقاتل مع إسرائيل، ولا يقف معها أو يدعمها فقط، ولتتيقّن أنّ مشروعها للسيطرة على المشرق والمضائق العربية دونه مصاعب يعجز الكيان الايراني عن تجاوزها.
لقد أعادت سياسة إيران الأساطيل الإمبراطورية إلى المنطقة، ولم تنجح سوى في تفتيت دول قائمة، وجعلت من الفلسطينيين وقوداً في حروب تريدها إسرائيل. وبعد، هل آن أوان التفكير بعقل آخر؟