أبرزشؤون لبنانية

السياحة اللبنانية تنهار…من المسؤول؟

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

أيام قليلة وتنتهي “سَكرة” الحملة السياحية الترويجية “بجنونك بحبك”، وتعود “فَكرة” الإحباط السياحي الكبير. ففي العاشر من هذا الشهر تنتهي الرزمة التحفيزية لزيارة لبنان في الموسم “الميت” بعدما استمرت لشهر و5 أيام، ويدخل البلد موسم السياحة الشتوية “المحتضر”.

الموسم لن يكون كغيره من المواسم السابقة. فـ”حرارته” هذا العام لن تتأتى من تدفق السياح وازدحام الفنادق والمطاعم بالنزلاء والحفلات، والمجمعات التجارية بالرواد، إنما من الانهيارات. نحو 6 آلاف مؤسسة سياحية أقفلت أبوابها نهائياً، والمئات تترقب نهاية العام لتبني على الشيء مقتضاه. أكثر من 100 ألف عامل في القطاع فقدوا وظائفهم وانضموا إلى جيش العاطلين عن العمل. في المقابل “شرّع” الانهيار النقدي، المترافق مع قلة وعي رسمي غير مسبوق، الباب واسعاً أمام خروج لبنان من خريطة السياحة العربية إلى أجل غير مسمى.

العائق سياسي

على الرغم من قساوتها فان الازمة الاقتصادية، ليست السبب في انهيار الفنادق. فلطالما كان اعتماد الأخيرة بشكل أساسي على “السياح والمغتربين الذين يملكون القدرة المادية ويدفعون بالدولار النقدي”، بحسب مدير عام فندق لانكستير – الروشة وليد اسماعيل. و”الاسعار بالنسبة لهم قد انخفضت ولم ترتفع”. إنما ما يعيق قدوم السياح والمغتربين من وجهة نظر اسماعيل هو “فقدان الثقة بالحالتين الأمنية والسياسية والغموض في ما خص العلاقات مع الدول الخليجية”. ومن المتوقع برأيه “عدم تجاوز نسبة الاشغال لنهاية العام 50 في المئة، وأن تكون محصورة بالمغتربين والسياح من وجهات محددة جداً، ولا سيما من العراق.

“رأس السنة”… كعبها

“تلعب “سهرة رأس السنة” دوراً مهماً في جذب السياح في هذه الفترة من العام. الكثير من المغتربين والسياح العرب والأجانب كانوا يقصدون لبنان لحضور الحفلات التي يحييها الفنانون المحليون والعرب من الصف الأول في الفنادق والمطاعم وكازينو لبنان. وهذا أيضاً ما خسرناه هذا العام”، يقول مدير عام فندق “ريجنسي بالاس” وليد عرموني. فـ”معظم الفنانين سيحيون حفلاتهم خارج لبنان بسبب الأزمة وتراجع المردود المادي الذي سيتلقونه في لبنان. إذ إنه من المستحيل بيع التذاكر للحفلات بأسعار ما قبل العام 2019 عندما كان يتراوح سعر التذكرة بين 350 و500 دولار على الشخص الواحد. فلا المواطن يستطيع تحملها، خصوصاً أنها تتأثر بسعر الصرف وهي بالحد الأدنى اليوم تساوي 10 ملايين ليرة، والمغترب يطمع بالحصول على أسعار أرخص نتيجة انهيار العملة الوطنية”. في المقابل فان الأكلاف التشغيلية على المؤسسات السياحية ترتفع باضطراد، بدءاً من أسعار المحروقات، ومروراً بالطعام والشراب ووصولاً إلى الأجور والمصاريف وأعمال الصيانة. هذا الواقع يجعل هذا الموسم “غير مطمئن”، على حد وصف عرموني. و”هو يحولنا إلى survivors (ناجين)، أكثر منه الى مستثمرين وأصحاب أعمال.

كورونا تهدد بالاغلاق

ولأن المصائب لا تأتي فرادى يتخوف أصحاب المطاعم من إعادة فرض الاغلاق بعد السابعة مساء مع عودة تفشي فيروس كورونا، ووضع ضوابط وشروط على إقامة الحفلات. خصوصاً أن جزءاً من قطاع المطاعم والملاهي لم يشهد تراجعاً في الحجوزات بعد انتهاء فصل الصيف كما كان متوقعاً، يقول المدير الشريك في مطعم SUD ميشال يزبك. فهناك فئة من اللبنانيين تستفيد من تراجع الاسعار في المطاعم بمعدل 5 أضعاف. أي ما كان يباع بـ 15 ألف ليرة أو 10 دولارات سابقاً على سعر 1500 ليرة، يباع اليوم بمبلغ يتراوح بين 2 و3 دولارات. وهو ما يشجع البعض على استمرار التوافد إلى المطاعم والمقاهي والملاهي. هذا بالاضافة إلى عدم قطع الأمل من قدوم السياح والمغتربين في فترة الاعياد. الأمر الذي يساهم بتحريك عجلة القطاع وتحفيز القدرة على الاستمرار.

التزلج “معلّق”

في مثل هذا الوقت من العام تكون شاليهات وغرف كفردبيان الفندقية محجوزة بالكامل، أما اليوم، “فالسؤال شبه نادر”، يقول مختار كفردبيان وسيم مهنّا. “الأمر الذي لا يبشّر بالخير”. لغاية الآن لم يشعر أهالي المنطقة بعد بهذه اللهفة على سياحة التزلج الفريدة من نوعها في معظم انحاء عالمنا العربي، مع العلم أن الأسعار هذا العام تنافسية جداً. فكلفة يوم التزلج للفرد الواحد تراجعت من حدود 100 دولار إلى حوالى 50 دولاراً. وهي تتضمن تكاليف الدخول إلى حلبة التزلج واستئجار المعدات وتناول الطعام. ومع هذا فان حركة الحجوزات التي تؤسس للموسم السياحي، ما زالت خجولة جداً. وبحسب المختار مهنّا فان “خسارة هذا الموسم تعني خسارة المنطقة الممتدة من وسط كسروان وصولاً إلى جرودها عوائد “بترولها الابيض”. ومما يزيد من خيبة الأمل هو الاتكال الكبير على هذا الموسم نظراً لانحسار بقية الخيارات وتراجع فرص العمل وكساد المواسم الزراعية وتراجع أسعارها. فموسم التزلج لا يشغّل غالبية اهالي المنطقة ويعود بالفوائد المباشرة على مختلف القطاعات، إنما يشكل، من وجهة نظر المختار مهنا، “موسماً سريعاً وفعالاً قائماً بحد ذاته يمتد من قبل فترة الاعياد بأسبوعين، وصولاً إلى رأس السنة. خصوصاً اذا ترافق مع تساقط الثلوج”. المختار مهنّا يشدد على أن تأخر الموسم يعود لاسباب سياسية وليست اقتصادية، فرياضة التزلج محصورة بالأغنياء والميسورين مادياً من يوم وجدت. وهذه الفئة ليست فقط قادرة على الدفع إنما أصبح لبنان كوجهة بمختلف أنشطته السياحية أرخص بكثير بالنسبة لها. من هنا “نجدد المطالبة للسياسيين أن يرحموا البلد وأهله ويأخذوا وقتاً مستقطعاً ليسهلوا استقطاب بعض السياح “المغاوير”، ويسمحوا للقطاعات الانتاجية والخدماتية “قطف” موسم الاعياد والمناسبات قبل حلول الجفاف الاقتصادي في فترة الانتخابات النيابية مطلع العام القادم”، يقول مهنا.

أمام ما تقدم يظهر جلياً أن “دم” انهيار القطاع السياحي برقبة الطبقة السياسية. فلو تكف عن معاركها الدونكيشوتية، وسجالاتها السفسطائية، وتخويف الخارج بنزالاتها العقيمة، وافتعال المشاكل مع الدول الخليجية لكانت السياحة بخير. فهذا القطاع الذي يعتمد في معظم مرافقه على الاجانب والمغتربين لم يكن لينهار نتيجة فقدانهم، بل على العكس لكان ازدهر ووفر فرص عمل للشباب اللبناني بأمس الحاجة اليها.

المصدر
السياسة

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى