رأي

السودان ومواجهة التضليل

التضليل سلاح بلا ذخيرة، يستخدم في الحروب باعتبارها بيئة خصبة لانتشار الأخبار الكاذبة، نظراً لقابلية الناس لتصديق أية معلومة، في ظل حالة القلق والترقب التي يعيشونها، من دون التنبه إلى أهمية التحقق من مصدر الخبر أو التأكد من صحة الصورة، ما يحتاج إلى وعي بأهمية معرفة الحقيقة كي لا يتحول التضليل إلى أداة خطيرة تخدم مروجيها وأهدافهم.
يتم التضليل بتغذية أدوات تكنولوجية في العالم الافتراضي والواقعي على حد سواء، باستخدام مواقع مثل «فيسبوك» و«إنستغرام» و«إكس» و«واتساب» و«سناب شات» و«تيك توك» وغيرها، من خلال تزييف الخبر والصورة المولدة بالذكاء الاصطناعي للتغطية على الحقيقة أو تشويه موقف جهة ما.
في الحرب السودانية المحتدمة منذ أكثر من ثلاث سنوات والتي شهدت الكثير من الانتهاكات بحق المدنيين، تزايدت في الآونة الأخيرة الأخبار والصور الملفقة حول ما جرى في مدينة الفاشر السودانية في إقليم دارفور من خلال تضخيم مقصود لممارسات وانتهاكات جرت هناك، والتلاعب بالمعلومات والصور باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وقد لعبت منصات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في دول متعددة الدور الأساسي في نشر كميات ضخمة من الصور والفيديوهات والمعلومات الكاذبة، يظهر فيها عناصر من الدعم السريع وهم يطلقون النار على مدنيين وينكّلون بهم، إضافة إلى جثث ملقاة على الأرض، أو نشر مقطع فيديو يظهر طفلين قتلت قوات الدعم السريع أمهما في الفاشر، في حين أن المقطع هو لطفلين نجيا من قصف لطيران الجيش السوداني أدى إلى مقتل شقيقهما الثالث، وإصابة الأم في كردفان في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وقد أكدت منصات متخصصة في كشف التضليل أن معظم تلك المقاطع والصور كانت غير صحيحة، فهي إما مولدة بالذكاء الاصطناعي أو مفبركة أو مقتطعة عن سياقها الصحيح، أو تعود لأحداث ليست لها علاقة بالسودان، كذلك تم نشر صورة على موقع «فيس بوك» ادعى ناشروها أنها لسيدة تحتضن طفلها خشية تعرضهما للقتل، لكن تبين أن الصورة الحقيقية مولدة بالذكاء الاصطناعي، حيث تظهر في الصورة سيدة تحتضن طفلها، ويبدو في الظل مسلحان.
كما رصدت التحقيقات صورة امرأة معلقة على شجرة مع طفلين، لكن تقريراً عن مرصد «بيم» المتخصص في كشف التضليل، أكد أن الصورة مضللة ولا صلة لها بالسودان، وأنها نشرت في 18 فبراير(شباط) 2025، على منصة (إكس) على أنها حادثة وقعت في تشاد، كما تم تداولها بعد يوم واحد في سياق أحداث عنف في مالي.
لكن ذلك لا ينفي وقوع انتهاكات في الفاشر، ووقوع ضحايا أبرياء، ولكن تضخيم ما جرى هدفه تبرئة الطرف الآخر، من خلال تضليل الرأي العام المحلي والدولي، وإثارة التعاطف والغضب، ما يشير إلى أن وراءها شبكات تضليل لديها إمكانات تقنية عالية وخبرة كبيرة.
منصة «بيم» حذرت من أن المحتوى الكاذب يُفقد الأدلة الحقيقية قيمتها، كما حصل في صور مأخوذة من تطبيق «جوجل إيرث» لمدينة الفاشر، حيث ادعى مروجوها أنها تعود لعمليات قتل جماعي جرت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن موقع «حقيقة التضليل» المتخصص في تدقيق المعلومات أكد أن الصورة مأخوذة من جزيرة كومي التي تبعد عشرات الكيلومترات عن مدينة الفاشر، ويرجع تاريخ نشرها لأول مرة في «جوجل إيرث» في 27 مارس(آذار) 2022.
كما أن الحرب تدور على الأرض، لكن حرباً أخرى قد تكون أكثر شراسة تدور على وسائل التواصل الاجتماعي حيث تنتشر المعلومات المضللة بأشكال شديدة التوحش.

المصدر: الخليج

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى