أبرزرأي

   السودان … نار تحت الرماد وحاجة للسلام

   نائلة حمزة عبد الصمد .

   خاص رأي سياسي …

 في الوقت الذي دخل فيه القتال، بين قوات الجيش السوداني، بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي ) نشطت الوساطات، من أجل وقف الاقتتال، وإنهاء معاناة المدنيين داخل السودان، قبل عيد الفطر المبارك.

 لا يعرف أحد من أين سيأتي الحل، وهل سيكون عبر وسطاء الإقليم، أم أنه سيأتي عبر ضغوط من قوى غربية، ظلت ضالعة في مسيرة الانتقال الديمقراطي في السودان، لفترة طويلة، وهي المسيرة التي بدا أن الحرب الحالية قد أطاحت بها…

ورغم ما قالته الخارجية السودانية في بيانها، بعد قرار الفريق البرهان بحل قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، من أن حل الأزمة في السودان هو داخلي، فإن الواقع يبدو متنافيا مع ذلك، إذ يتفق كثيرون، على أن كلا طرفي الصراع، له علاقاته وارتباطاته بقوى اقليمية، ناهيك عن الدور الذي تلعبه قوى دولية، في ملف الانتقال الديمقراطي في السودان.

 كيف بدأت التوترات؟

الأزمة بدأت بعد توتر طويل وتراشق إعلامي،حيث انفجر في 15 نيسان/ أبريل 2023 الصراع بين قيادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على شكل اشتباكات مسلحة عنيفة، بدأت داخل العاصمة السودانية الخرطوم وانتقلت منها إلى مدن أخرى ما أسفر بعد خمسة أيام عن سقوط نحو 300 قتيل و3000 جريح، بحسب منظمة الصحة العالمية.

المواجهات جاءت على خلفية خلافات نشبت بين قيادة الجيش، وقوات الدعم بشأن الجدول الزمني المقترح لدمج قوات الدعم في صفوف القوات المسلحة بموجب الاتفاق الإطاري الذي جرى التوصل إليه عام 2022، لحل الأزمة السياسية منذ انقلاب الجيش على حكومة عبد الله حمدوك في تشرين الأول/ أكتوبر 2021. لكن المواجهات تخفي صراعًا أعمق على السلطة والنفوذ والموارد بين الطرفين العسكريين الرئيسين في البلاد، وحلفائهما في الخارج…

الا ان مؤشرات وجود تنافس بين الطرفين كانت قائمة، منذ تشكيل مجلس السيادة الذي تولى السلطة لمرحلة انتقالية بعد إطاحة حكم الرئيس عمر البشير في نيسان/ أبريل 2019 وتولى قائد الجيش، البرهان، رئاسة مجلس السيادة بينما تولى قائد قوات الدعم السريع، حميدتي، منصب نائب رئيس المجلس. وأخذت الخلافات تظهر للعلن، بعد أن اتخذ الجيش، تسانده قوات الدعم السريع، قرارًا بحل مجلس السيادة الذي يتكون من مدنيين وعسكريين، وإقالة حكومة رئيس الوزراء الانتقالي، عبد الله حمدوك، واستلام السلطة مباشرة في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

يقول مراقبون إن تحالفات بدأت مع القوى المدنية في البلاد، ففي حين حاول حميدتي النأي بنفسه عن انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وتقديم نفسه باعتباره مؤيدًا لانتقال السلطة إلى القوى المدنية، والعمل على تحسين صورته منذ دوره في دارفور بتكليف من عمر البشير وحتى ارتكاب مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في حزيران/ يونيو 2019، اتهم حميدتي البرهان بالسعي إلى استمالة قوى محسوبة على النظام السابق.

ومن المرجح استمرار القتال لسبب ان قوات الدعم السريع لن تتوقف قبل السيطرة على السودان وانهاء القوى المدنية وكذلك البرهان وقواته ، بحسب المحلّل مالك ونوس ، الذي يعتبر ان حميدتي يتلقى الدعم من الروس من قوات فاغنر منذ فترة طويلة أي قبل سنة 2019 بسبب سيطرته على مناجم الذهب.

ولفت ونوس الى ان الدعم بدأت بوادره تصل من ليبيا أي من اللواء خليفة حفتر، الذي ساعد في إعداد قوات الدعم السريع، شبه العسكرية والتي تقاتل الآن للسيطرة على السودان، ، في تبادل للأدوار اثر التعاون المشترك بين الطرفين ، حيث كان حميدتي يدعم حفتر في ليبيا ، متوقعاً استمرارالقتال بشكل أعنف في الأيام المقبلة.

وينظر ونوس إلى موجة العنف الأخيرة على أنها خيانة للثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير وعززت الآمال في أن السودان يمكن أخيرا أن يحظى بانتقال إلى الحكم المدني لافتاً الى ان السودان لن ينعم بالاستقرار والسلام في ظل حكم عسكري قوي.

 ويتساءل إن كان ثمّة اتفاق مُبطَّن بين فريقي الصراع،على افتعال خلافٍ فيما بينهما من أجل التملص من الاتفاق النهائي الذي سيعيدهم إلى ثكناتهم، ويجعلهم يُؤتَمرون بأوامر حكومة مدنية، ووزراء مدنيين لطالما نظروا إليهم بازدراء واعتبروهم غير أهلٍ للحكم بسبب الخلافات التي تنشب بينهم ، ويقول : “من يراقب مسار ما بعد الثورة وخلعها البشير، ومن ثم اختطاف العسكر الثورة، لا يستبعد ذلك. ويكفي إلقاء نظرة سريعة على تاريخ تملُّص العسكر من الاتفاقات مع المدنيين وتجاوزهم الفترات الانتقالية، وخرقهم المُدد التي وُضعت لتسليم السلطة للمدنيين، إضافة إلى انقلاب البرهان واحتجاز رئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، واتهامه المدنيين بالتحريض على الجيش ليسهل عليه التخلّص منهم، ليجد أنها كلها معطياتٌ تلمح إلى إمكانية اتفاق البرهان وحميدتي على افتعال خلافٍ لمنع تحقيق ما يترتّب على اتفاق الحل النهائي الذي كان سيُوقَّع بداية شهر إبريل/ نيسان الحالي. 

 ومن هنا، إذ لم تُحسم المعركة أو يجري التوصل إلى تسوية تقود إلى وحدة الجيش السوداني، بصفتها مقدمة لنقل السلطة إلى القوى السياسية المدنية، فلن تكون هذه آخر المعارك التي تعصف بهذا البلد الذي يتوق للاستقرار والهدوء.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى