رأي

السودان.. معضلة مركبة

جاء في مقال للكاتب طلال صالح بنان في “عكاظ “:

من أهم مواصفات الدولة القومية الحديثة احتكارها لقوة القهر والإجبار في مجتمعها. الدولة من أهم مقومات إعلان قيامها.. وإمكانات استمرارها، وضمان بقائها، عدم السماح لأي جهة أخرى خارجية أو داخلية منازعتها أهم مقومات سيادتها المتمثلة في التحكم والاستحواذ الحصريين على مقومات القوة الصلبة، ممثلة في جيشها النظامي الوطني.. وقوى إنفاذ القانون بقسميها الناعم (البيروقراطية والقضاء ومؤسسات الحكم الرسمية) والصلب (الشرطة، وقوى إنفاذ القانون المختلفة).

وحتى لا تحيد مؤسسات ممارسة الدولة لسلطة القهر والإجبار فيها، على تلك المؤسسات أن تكون خاضعة، في كل الأحوال، لسلطة الحكم المدنية، بوصفها الممثل الوحيد عن إرادة الشعب والمسؤولة أمامه.

أهم مقومات الدولة القومية الحديثة، إذن: بأنها حصرياً وجدت للتعبير عن سيادة الدولة، لا لحماية نظامها السياسي، الذي ليس بالضرورة أن يكون دوماً معبراً عن إرادة الناس، بقدر ما قد يكون- أحياناً- تعبيراً عن واقع سياسي فرض نفسه بالقوة الغاشمة. في الحالة الأخيرة، تبرز الحاجة، لوجود جيش موازٍ تكون مهمته حماية مؤسسات ورموز نظام الحكم القائم، في مواجهة مؤسسات قوى الدولة الصلبة النظامية المُمَثلّة حصرياً، في الجيش وقوى إنفاذ القانون (الشرطة). وتتعقد المشكلة أكثر، عندما يتخلى الجيش عن مسؤولياته النظامية والدستورية في حماية أمن الدولة من أي اعتداء خارجي حقيقي أو محتمل، ليشارك في الحكم أو يحتكره لرموزه، بعيداً عن أي مساءلة أو رقابة من حكومة وطنية (مدنية)، ممثلة حقيقةً وفعلياً لإرادة الشعب.

هذه هي المشكلة المركبة، التي يعيشها السودان، وتمخضت عن الأحداث المأساوية الأخيرة، التي تطورت بين جهتين تتشاركان في احتكار القوة العسكرية الصلبة في البلاد، ليس بينهما من يعبر عن صلة مباشرة عن إرادة الشعب.

في السودان يسيطر العسكر (الجيش) على مقاليد الحكم، بصورة فعلية، تتخللها فترات قصيرة من الحكم المدني، منذ انقلاب الفريق إبراهيم عبود (17 نوفمبر 1958)، ولم تمضِ ثلاث سنوات على استقلال السودان (1 يناير 1956). وليتمكن رموز الجيش البقاء في السلطة، خوفاً من حدوث تغيير عنيف في نخبة الجيش القائمة، من عناصر الجيش نفسه، جرى تكوين «مليشيات» خاصة مهمتها الأساسية الحيلولة دون وقوع انقلاب، يأتي بنخبة عسكرية جديدة لسدة الحكم، فجرى إنشاء ما يطلق عليه قوات الدعم السريع.

هذا القرار بإنشاء قوات الدعم السريع، من حكومة الرئيس عمر البشير العسكرية في الأساس، كان بمثابة النواة لإنشاء جيشٍ موازٍ، ما لبث أن انفتحت شهية احتكار السلطة لديه، فانقلب على من كان صنيعته، من أجل تأسيس نخبة عسكرية جديدة، يبدأ بمشاركتها، نداً لند السلطة، والنية مبيتة للاستحواذ على السلطة حصرياً، بعيداً عن النخبة العسكرية الجديدة، التي يرى قائد قوات الدعم السريع أن له الفضل الأساس لمجيئها للسلطة، بفعل «خيانته» للنخبة العسكرية التي كانت سبباً في وجوده وقواته.

الصراع بين الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد النخبة العسكرية، التي انقلبت على حكم عمر البشير (العسكري) والفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوة الدعم السريع، هو في الأساس صراع عنيف على السلطة، وصل في مرحلة حرجة، ليكون صراعاً صفرياً، لا يحتمل مرحلة اقتسام السلطة السابقة.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى