السنيورة: في المحصلة استحق الفلسطينيون وبجدارة بأن يكون لهم وطن..
رحب الرئيس فؤاد السنيورة في بيان، بقرار مجلس الأمن الدولي امس الذي قضى بإعلان وقف فوري تام وكامل لإطلاق النار في قطاع غزة والذي صدر بموافقة 14 عضوا وامتناع روسيا عن التصويت.
وأشار الرئيس السنيورة إلى أن “الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية عدة، وبعد مماطلة دامت ثمانية أشهر طويلة كانت دامية ومدمرة حالت فيها تلك الدول دون صدور أي قرار لوقف إطلاق النار عن مجلس الأمن، وحرصت خلالها على إعطاء إسرائيل الترخيص بالقتل والتدمير بذريعة حق الدفاع عن النفس بعد اقتحام حماس لمنطقة غلاف غزة، وكأن التاريخ بدأ فقط بيوم السابع من أكتوبر 2023، بينما الحقيقة أن ما حصل ذلك النهار لم يكن بالفعل إلاّ امتداد لتاريخ قاسٍ ودامٍ ومدمرٍ تعاقبت فيه سلسلة طويلة من المآسي والحروب والإخلال بالوعود والتنكر للقرارات الدولية. وذلك ما أكّده الأمين العام للأمم المتحدة في خطابه في مجلس الأمن في ذلك اليوم بأن ما جرى لم يأتِ من فراغ. ولذلك، فقد عمدت الولايات المتحدة إلى مؤازرة ومساندة إسرائيل وبرعاية أساطيلها، وعطّلت بذلك التوصل الى أي نتيجة في مجلس الامن، وهو ما أسهم في سقوط أكثر من مائة وثلاثين ألفاً من الشهداء والضحايا والجرحى الأبرياء، وكادت إسرائيل أن تمسح غزة بأسرها عن وجه الأرض”.
وقال: “المهم الآن أنّ الولايات المتحدة قد اقتنعت، وبعد طول انتظار بتقديم ودعم إقرار اقتراح وقف إطلاق النار، وذلك بعد إعطاء إسرائيل كل الوقت الذي تحتاجه لتحقيق النصر على الفلسطينيين، وهو ما لم يتحقق، وحيث ثبتت استحالة تصفية القضية الفلسطينية التي باتت تحفر عميقاً في وجدان العرب والمسلمين والأحرار في العالم. وحيث، وفي المحصلة، استحق الفلسطينيون وبجدارة غير مسبوقة بأن يكون لهم وطن”.
واعتبر انه “وقد صدر القرار الدولي، وحيث أن حماس قد قبلت الالتزام بهذا القرار، وهو ما بات يُضيِّقُ هامش المناورة على إسرائيل. فمن المهم الآن أن يلتزم المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة بأهمية وصدقية ممارسة الضغط على إسرائيل، وذلك تمهيداً للدخول في مرحلة جديدة تتطلب الالتزام الكامل من قبل إسرائيل بتنفيذ هذا القرار الأممي والعمل بمقتضياته من أجل التوصل إلى إنهاء الحرب والتأسيس للمستقبل من أجل تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة، وبما يعني المسارعة وبصدق والتزام إلى إنشاء حل الدولتين اللتان تكونان جنباً إلى جنب على أساس المبادرة العربية للسلام وعلى حدود العام 1967”.
وسأل: “ألا يجدر أن يُطرح السؤال الآن: ألم يكن من الممكن تجنب كل هذه المآسي والحروب؟ وتجنب كل هذا الإزهاق لمئات الألوف من الأرواح البريئة، وتجنب أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبت، وتجنب التدمير وتضييع الفرص على مدى عدة عقود ماضية، والحرص على الالتزام بأدنى المعايير الإنسانية للملايين من المعذبين في منطقة الشرق الأوسط من أجل أن يتحقق لهم مستقبل واعد لهم يستطعيوا من خلاله أن يحققوا غداً واعداً لهم ولأجيالهم القادمة. الحقيقة المريرة، إنّ تقاعس وتردد وتقصير المجتمع الدولي والدول الكبرى تحديداً عن الالتزام بموجبات السلام في المنطقة أسفر عن نتائج كارثية ليس أقلها التسبب في خلق الأجواء الضاغطة والمتوترة في المنطقة العربية، والتي أدّت بدورها إلى انفجار الاوضاع في فلسطين وفي غزة والضفة الغربية، وهو مما دفع بالفلسطينيين الى التفكير بعملية السابع من اكتوبر للخروج من السجن الكبير الذي فرض عليهم العيش فيه. هذا فضلاً عن التسبب بهذا الاحتباس السياسي الكبير الذي فاقم المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة العربية وخارجها، وأدّى إلى زيادة حدة التطرف والتشدد في أكثر من منطقة في العالم. وبدلاً من انشغال دول وسكان تلك المناطق بأمور تتعلق بتحقيق التنمية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في مجتمعات تلك البلدان، وبالتالي التأهل من أجل العمل على تحقيق الانفتاح وتحقيق النهوض والازدهار، كانت النتيجة التسبب بالمزيد من التشدد والتطرف وتضييع الفرص والوقوع في وهدة التدهور الثقافي والحضاري والاقتصادي والاجتماعي والقيمي، وهو الأمر الذي لم يقتصر فقط على دول كثيرة في منطقة الشرق الأوسط، بل وأيضاً على الكثير من مناطق الجنوب في العالم. وبحيث أصبح قطاع عريض من سكان تلك المناطق ساعين بل ولاهثين إلى الهجرة غير الشرعية إلى بلدان الشمال. ذلك بدوره ما أسفر، وفي المحصلة، عن دعوات متزايدة للانغلاق والتطرف والعنصرية، والتي بدأت تتصاعد وتتخذ أشكالاً مختلفة في دول غربية عديدة في أوروبا وغيرها، كان من أحد مظاهرها ما حصل في الانتخابات الاخيرة في الاتحاد الأوروبي مما فتح الطريق لصعود اليمين المتطرف بفعل الخوف والقلق من مشكلات الهجرة المتصاعدة بسبب عدم استقرار الاوضاع في دول الساحل الافريقي الشمال الافريقي وفي منطقة الشرق الأوسط”.
واعتبر ان “التخلف والتنكر للالتزام بمبادرات السلام السابقة في مدريد وأوسلو، والمبادرة العربية للسلام، وإمعان إسرائيل في ممارسة ضغوطها على الفلسطينيين وتهجيرها لهم والإمعان في بناء المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية، أدّى إلى ما أدّى إليه، وهو ما كان بالإمكان تجنبه، وبالتالي الإسهام في تخفيض الاحتقان والحد من الهجرة الى أوروبا، وبما كان يمكن أن يقطع الطريق على مشكلات وأزْمات لا يعرف العالم الآن كيف يمكن له وكيف يستطيع التعامل معها والحد من تفاقمها”.
ورأى أن “المطلوب الآن من الفلسطينيين ولكي يستحقوا أن تكون لهم دولتهم المستقلة أن يمارسوا العمل الجدي من أجل: أولاً، إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وثانياً، التأكيد على فلسطينية وعروبة القضية الفلسطينية. وثالثاً، الخروج من التفكير الضيق والدخول في فضاء التأكيد على مسألة أساسية واحدة، وهي أن القضية الفلسطينية هي القضية الأساس، وليست مسائل وخلافات الفصائل الفلسطينية في تسابقها وتنافسها بين بعضها بعضاً خدمة لها أو خدمة لأجندات خارجية تُملى عليها”.
وقال: “ان الدول الغربية مطالبة اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، بممارسة الضغط الكبير والجدي والصادق والمثابر لتطبيق قرار مجلس الامن ومن أجل تنفيذ مقتضيات إحلال السلام في غزة وفلسطين لقطع الطريق على تفاقم المشكلات والأزمات الراهنة في المستقبل اليوم قبل الغد”.