رأي

السكاكين المتربصة بإيران

كتب إبراهيم الزبيدي, في “العرب” :

لا يشك إلا قليلون في أن المرشد الإيراني علي خامنئي ومستشاريه ومعاونيه العسكريين والمدنيين الكبار مدركون لحقيقة أن ردّا عسكريا حقيقيا مؤلما لإسرائيل سيتحول إلى حرب شاملة، شاء المرشد أم لم يشأ، وسيكون، بالتالي، مغامرة غير مأمونة النتائج، وقد تكون بداية نهاية عمر النظام.

فأية حرب جديدة كتلك التي خاضها الخميني مع عراق صدام حسين في الثمانينات من القرن الماضي ستكون الضوء الأخضر لانطلاق سكاكين عديدة نحو خاصرة النظام الإيراني من جميع الدول المجاورة، ومن قوى أخرى عديدة في المنطقة، وربما في العالم.

ولا شك أيضا في أنهم يفهمون جيدا غرض السياسي الخبيث بنيامين نتنياهو من استمراره في استفزازه النظامَ الإيراني، محاولا إخراجه من مغارته التي يتمترس فيها، ولا يكتفي بحروب وكلائه العراقيين واللبنانيين واليمنيين والفلسطينيين.

ويبدو أن الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق لم تحقق ذلك الهدف، لذلك فهو يحرك دباباته وطائراته اليوم مهددا باجتياح الجنوب اللبناني وكسر شوكة حزب الله، بعد حماس، وهي خسارة ستكسر ظهر النظام.

ولا شك في أن خبراء النظام، فيما بينهم وخلف الأبواب المغلقة، مقتنعون بأن حربا من النوع الذي يريده نتنياهو تتمناها وتترقبها حكومات ومنظمات وأحزاب عديدة في المنطقة والعالم، على أساس وجع ساعة ولا وجع كل ساعة.

إن كل شيء متوقف الآن على نوع الخطوة التالية التي يهدد بها النظام الإيراني، وحجمِها، في رده على الإهانة الكبيرة التي تلقاها أخيرا في دمشق، والتي لم يعد السكوت عليها مقبولا شعبيا في الداخل الإيراني، مثلما كان قد حدث في أعقاب الإهانات العديدة المتواترة التي تلقاها النظام طيلة السنوات الماضية، والتي أرجأ الرد عليها إلى الوقت المناسب والمكان المناسب، ثم سجلها، في النهاية، ضد مجهول.

ولا يَعتد أحد في إيران وخارجها بكل التصريحات المتشنجة التي تصدر عن قادة النظام الإيراني الذين يحاولون تخدير العصب الشعبي الإيراني قبل غيره.

نقلت وكالة “تسنيم” التابعة للحرس الثوري عن الجنرال رحيم صفوي، كبير المستشارين العسكريين للمرشد الإيراني قوله، خلال مراسم تأبين حليفه محمد رضا زاهدي في طهران، قوله إن “الإستراتيجيات الإقليمية ستشهد تغييرات جذرية، وجبهة المقاومة ستقرر مصير المنطقة بقيادة إيران”.

وبشأن طبيعة الرد الإيراني، قال صفوي إن “جبهة المقاومة جاهزة، ويجب أن ننتظر مضيّ الوقت لنرى كيف تسير الأمور، لكن المواقف المعلنة من إيران وجبهة المقاومة تتسبب في رعب الصهاينة وهروب العشرات من المستوطنين، خصوصاً من جنوب لبنان، لقد هرعوا إلى المحلات واشترى بعضهم مولدات كهربائية”.

يعني أن صفوي، وهو ينطق بلسان المرشد الأعلى، لم يقل شيئا جديدا لم نتعود على سماعه في أعقاب كل غارة إسرائيلية أو أميركية حدثت في السنوات الماضية على ميليشياته في الخارج، وعلى كبار القادة والمؤسسات الحساسة الحيوية في الداخل، خصوصا وأن العزف على وتر محو إسرائيل قد تحول بعد أربعين سنة إلى أسطوانة مشروخة مزعجة لا يلذ سماعها إلا لبعض مجنديه المتورطين معه في إغضاب ثلاثة أرباع الكرة الأرضية بالتفجيرات والمخدرات والمسيّرات والمفخخات.

وبحساب دقيق للسكاكين المُصوبة نحو خاصرة النظام يتبين أنها كثيرة ومُسننة وجاهزة للاستعمال. أولاها سكين الوضع الداخلي الذي تمثله نقمة الأحزاب والقوميات الإيرانية الغاضبة عليه والمتربصة به بسبب سياساته العنصرية الظالمة التي صادر بها حريات الملايين من الإيرانيين غير الفرس، إضافة إلى الشرائح الشعبية الواسعة الناقمة عليه بسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة والخانقة.

ففي مواجهة المآزق المعيشية والصحية التي يعاني منها المواطن الإيراني كان مؤملا أن توقف القيادة الإيرانية الكثير من نشاطاتها الحكومية والعسكرية غير الضرورية التي يمكن إلغاؤها أو تأجيلها، خصوصا إذا كانت ذات كلفة ترهق خزينتها المتعبة، أصلا، لتهدئة خواطر المواطنين الناقمين.

فإذا غامر النظام وتورط في حرب خارجية واسعة وشاملة مع إسرائيل، ومن ورائها أميركا وحليفاتها في المنطقة التي يعرف النظام أنها تنتظر الفرصة المواتية التي توفرها لها الحرب المؤملة، فإن المتوقع أن تخرج عليه سكاكين غير حكومية، وربما حكومية، من حدوده مع أفغانستان وباكستان وكردستان.

وطبعا لن تفوت المعارضة السورية الفرصة، بل سوف تتحرك بدفع من أميركا وإسرائيل ودول عربية أتعبها الصلف الإيراني.

وليس مستبعدا أن تشهر المعارضة اللبنانية سلاحها للإطباق على حزب الله، بعد انتظار طويل لتأخذ ثأرها المختزن منذ عشرين سنة أو يزيد.

كما لا يشك أحد في انطلاق انتفاضة تشرينية عراقية جديدة لن تتوقف هذه المرة إلا بعد إسقاط أحزاب السلطة وتجريد ميليشياتها من سلاحها.

ومن البديهي والمؤكد، والحالة هذه، أن تندلع ثورة تحررية شاملة في المحافظات العراقية السنية ضد هيمنة الفصائل المسلحة التي أذاقت أهلها كل أنواع الظلم والابتزاز والاعتقال والخطف والاغتيال والإذلال.

ومتوقع أيضا أن تبادر حكومة أربيل إلى أخذ نصيبها من هذه المعركة بعد صبر طويل على تعديات وإهانات ومسيّرات وصواريخ لم تستطع نسيانها.

ولا يشك المرشد الأعلى ومستشاريه في احتمال مسارعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر وتركيا والأردن إلى انتهاز الفرصة لمد خصوم النظام الإيراني وميليشياته بما يحتاجونه من سلاح ومال وأشياء أخرى عديدة، عملا بالمثل القائل “حين تسقط البقرة تكثر عليها السكاكين”.

ويضاف إلى ذلك كله احتمال أن تقرر أميركا الديمقراطية الحالية أو الجمهورية القادمة غلقَ ملف التخادم مع النظام الإيراني وعدم معارضة جهود حلفائها لإسقاطه، والمبادرة إلى الإمساك بالشرق الأوسط الجديد الذي سيقوم على أنقاض النظام الإيراني المقبور.

شيء مؤسف، حقيقةً. فأي حاكم يجهل ما حوله، ومَن حوله، لا بد أن يكون أعمى بصر وبصيرة، ومبحرا في العواصف والظلمات دون معين ولا نصير.

إن الضربات المتلاحقة التي تلقاها النظام الإيراني وميليشياته قد حولته إلى حصان من خشب، لا يهش ولا ينش، ولكنه برغم حالاته المزرية الظاهرة للعيان في سوريا ولبنان والعراق واليمن لا يريد أن يعترف بذلك فيجنح للسلم ويتوقف عن ممارسة السياسة بالعضلات والمفخخات والمسيّرات والصواريخ.

لكأنه لم يقرأ التاريخ البعيد ولا القريب، ولم يدقق في سيرة حكامٍ حمقى أصابتهم لوثة غرور القوة مثله، فركبوا رؤوسهم وناطحوا الصخور، فتكسرت قرونهم، ثم انتهوا أخيرا إما قتلى تحت أقدام شعوبهم أو معلقين على المشانق أو مأسورين وراء القضبان أو هاربين من وجه العدالة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى