![](https://raiseyasi.com/wp-content/uploads/2025/02/علما-السعودية-وفلسطين-scaled-1-780x470.jpg)
كتب د. ناصر البقمي في صحيفة الشرق الأوسط.
الأيادي المُرتعشة لا تصنع قراراً، مقولة تتردد بين وقت وآخر لوصف حال التأخر في اتخاذ القرارات المصيرية في الأوقات التي تحتاج إلى حسم وحزم. تذكرت تلك المقولة وأنا أقرأ باعتزاز وافتخار تفاصيل بيان وزارة خارجية المملكة الصادر فجراً، والذي أكدت فيه موقفها الثابت والراسخ تجاه القضية الفلسطينية، ورفضها القاطع لمحاولات تصفيتها أو تهجير شعبها، وأن السلام العادل والشامل لا سبيل إليه إلا بإقامة دولة فلسطين المُستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
ويبدو أن البعض ممن يحاول أن يجعل من قضية فلسطين ورقة للمساومة أو المُزايدة، لا يعي أن السعودية دولة لا تقبل أي ابتزاز في هذا الموضوع، ولا يُمكن لها أن تجعل هذه القضية مساحة لأي مناورات لتحقيق المكاسب السياسية، ذلك أن إيمانها بحق الإنسان الفلسطيني للعيش على أرضه بكرامة مبدأ ثابت لا يقبل النقاش.
لقد أرسلت السعودية، فجر الأربعاء، ببيانها الحازم بشأن القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني رسالة واضحة لأطراف عدة: المساومين على القضية، والمزايدين على مواقف المملكة من القضية، ومن يخططون لبيع القضية، ولمن فعلاً قد باع القضية، مفادها حتى وإن تفرق القوم من حولكم فنحن باقون معكم.
لطالما كانت القضية الفلسطينية محوراً أساسياً في سياسة المملكة العربية السعودية، حيث تحتل مكانة مركزية في الوعي الجمعي للسعوديين؛ إذ هي مهد الإسلام وقبلة المسلمين واللاعب الأكثر فاعلية في منطقة الشرق الأوسط، والأكثر تأثيراً ونفوذاً في العالم.
الكلمة السعودية اليوم هي الصوت الأعلى في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وهو موقف لم يتغير منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبد العزيز آل سعود، طيب الله ثراه، واستمر مع جميع أبنائه ملوك السعودية، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
إن الموقف السعودي تجاه القضية الفلسطينية لا يقبل المزايدة، بل يقوم على مبادئ واضحة ومحددة، يؤكدها الخطاب السياسي والدبلوماسي للمملكة على جميع الأصعدة، حيث تواصل المملكة تمسكها بموقفها الثابت تجاه فلسطين؛ إذ أكدت مراراً أنها لن تتنازل عن دعمها لقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وفي هذا السياق، جاء خطاب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى بتاريخ 18 سبتمبر (أيلول) 2024 ليؤكد بشكل واضح لا يقبل التأويل، أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
كما جدَّد الأمير محمد بن سلمان هذا الموقف خلال القمة العربية الإسلامية غير العادية، التي عُقدت في الرياض في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024؛ إذ شدد على أن المملكة ستواصل جهودها السياسية والدبلوماسية لحشد الدعم الدولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وحث الدول المحبة للسلام على الاعتراف بدولة فلسطين. وبيّن أن المملكة ترى في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة أساساً قانونياً قوياً يمنح فلسطين الحق في العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
إنَّ الموقف القوي والواضح الذي تبناه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تجاه قضية فلسطين، يعيد إلى الأذهان الموقف العظيم الذي اتخذه الملك فيصل بن عبد العزيز، رحمه الله، عندما واجه الضغوط الدولية بقوة وعزم نصرةً للحقوق الفلسطينية. لقد كان الملك فيصل رمزاً للمواقف الشجاعة، ووقف بكل بسالة في وجه الدول الداعمة لإسرائيل، خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، في موقف تاريخي أثبت أن المملكة لا تتوانى عن الدفاع عن حقوق الفلسطينيين مهما كلفها الأمر ذلك. واليوم، يسير ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على النهج ذاته، مؤكداً للعالم أن السعودية لن تساوم على القضية الفلسطينية، ولن تتخلَّى عن موقفها الراسخ في دعم الفلسطينيين حتى نيل حقوقهم كاملة.
لطالما أكدت السعودية رفضها القاطع للمساس بحقوق الفلسطينيين المشروعة، سواء عبر سياسات الاستيطان الإسرائيلي أو محاولات تهجير الفلسطينيين أو ضم أراضيهم. كما ترى المملكة أن المجتمع الدولي يتحمَّل مسؤولية رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الذي ظل صامداً رغم المحن والضغوط. وهذا الموقف ليس محل تفاوض أو مساومة، بل هو التزام أخلاقي وسياسي ثابت.
لقد كانت المملكة العربية السعودية، ولا تزال، حصناً منيعاً في الدفاع عن القضية الفلسطينية، مستندة إلى مبادئ واضحة لا تخضع للمزايدات من أي طرف كان؛ فمواقفها السياسية والدبلوماسية تعكس التزاماً ثابتاً بحقوق الفلسطينيين، وتؤكد أن أي حل مستدام وعادل لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وبينما يتغير المشهد السياسي العالمي، يظل موقف المملكة راسخاً، داعماً لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، ساعياً لحشد الدعم الدولي لإنهاء الاحتلال، ومتمسكاً بمبادئ العدالة والسلام الحقيقي.