السعودية.. من الفرص الضائعة إلى صناعة الفرص.
كتب محمد الساعد في صحيفة عكاظ.
على مدى سنوات طويلة حاول المتطفلون على الشأن السعودي تكبيله وإعاقته عن التقدم وإبقاءءه في مربع التخلف، كان هذا خيارهم وأولى أولوياتهم، فهم مجرد كونتونات هامشية تعيش على الهامش، بلا شك كانوا واعين بأن هذا العملاق السعودي سيضيء ذات يوم، وإذا شاع نوره بالتأكيد سينطفئون.
ولعلنا نتذكر كيف أن أول محاولة لاغتيال الدولة السعودية الثالثة الناشئة، جاءت في أعقاب استرداد الملك عبدالعزيز للحرمين الشريفين، دافعين بشائعة هدم القبة النبوية فوق القبر الشريف لتكون رأس رمح الاغتيال، لقد سرت تلك الشائعة في العالم الإسلامي مثل النار في الهشيم، وبقي صداها يتردد إلى وقت قريب، كان الهدف ترسيخ فكرة أن الدولة متطرفة وغير أمينة على المقدسات الإسلامية، دُحضت الشائعة في مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقده المؤسس ودعا إليه علماء ومفكرين وقادة مسلمين ورأوا بأعينهم كيف أن القبة باقية والمقدسات في أيدٍ أمينة.
لكن تهمة التطرف بقيت تسوق وتدعم -زوراً- من كل أعداء المملكة، بالرغم من أن معظم السعوديين في حقيقتهم وسطيون مسالمون، إلا أن الجماعة الطارئة على التدين السعودي وأقصد هنا «الإخوان المسلمين» التي وجدت لها موطئ قدم في الستينات إلى ما قبل عدة سنوات عندما أعلنت كمنظمة إرهابية، تعمدت نشر فكرة التطرف وغذته قاصدة اختطاف المجتمع وإبقاءه رهيناً بين يديها، مشوهة صورته وتصرفاته في العالم الإسلامي والعربي.
لم يكتفوا بذلك، بل شجعوا الأطفال والمراهقين للالتحاق بمواطن الفتن في أفغانستان والعراق وسوريا والشيشان والبوسنة والهرسك، ليسهل عليهم بعد ذلك جلبهم للسعودية واستخدامهم كخلايا مقاتلة تنشر الإرهاب في الداخل، وهذا ما حصل فعلاً في الفترة من 1995 وحتى 2017 م، لقد تواطأ البعض مع تلك الجرائم ومنهم «جنرال» الإرهاب الهارب سعد الجبري، وتناغم مع الجماعة الإرهابية وكان بمثابة حليف مخلص.
استثمرت السعودية في مكافحة الإرهاب والتطرف الفكري، ودفعت أبناءها للبقاء بعيدين عن اليسار المتطرف والبعث والاشتراكية والشيوعية خلال الخمسينات والستينات إلى منتصف الثمانينات، كما قاومت بضراوة التطرف المحسوب على الإسلام بشقيه السني والشيعي من معركة السبلة إلى إرهاب جهيمان وتفجيرات الخبر وليس انتهاء بعمليات القاعدة وداعش وحزب الله.
وبسبب تسخير موارد البلاد لمكافحة الإرهاب، أو حتى مسايرة الآراء المتطرفة في قضايا العمل والسياحة والمرأة.. إلخ، ضاعت على السعوديين الكثير من الفرص الذهبية، وفات عليهم الكثير من العوائد المجزية، وبقيت بلادهم ردحاً من الزمن تدفع ثمن قضايا ليست طرفاً أو سبباً فيها.
اليوم وبعد خمس سنوات من تكبيل الإرهاب وسحق أدواته، جاء دور الالتفات للسعودية من الداخل، بناء، ومكانة، وطموحاً نحو العالم، لتكون هي أولى الأولويات لا قضايا وهموم الآخرين.
تحولت الرؤية من مشروع اقتصادي بحت إلى مشروع نهضوي عنوانه «الأمة السعودية»، لتكون أمة متحضرة، متقدمة، متنورة، غنية، وقادرة على تجاوز كل الصعاب، لأن قدرها أن تكون عملاقة لا دولة تقضي أيام حياتها في تسديد فواتير الآخرين.
نعم لقد استيقظ العملاق السعودي الذي حاول الكثير -الأعداء والأعدقاء- إبقاءه طوال قرن كامل، إما نائماً، أو مشغولاً، أو كسولاً، أو متهماً بالتخلف، وهذا لا يعني أن ذلك العملاق كان مستسلماً، بل كان مراعياً، مؤثراً، مقدماً الأخوّة التي لم يحترموها والإيثار الذي كانوا لئاماً معه.
اختطاف الشباب والمراهقين السعوديين في قضايا أممية، أو التعلق بالفكر المتطرف، انتهى إلى غير رجعة، لقد أعطى الأمير الجسور محمد بن سلمان «لشبابه السعوديين» المثال والحلم، ودفعهم للانخراط معه في حلم الرؤية، صُدم الخصوم والغيارى، وها هم يهيمون في منصات التواصل، أو محرضين في المنظمات الحقوقية، أو مهاجمين في الصحف الغربية، محاولين إيقاف صناعة الفرص ونشر الأفكار والإيجابية التي أضحى السعوديون خبراء فيها، وقادرين على تحويلها لحقيقة.