الزعيم الصيني أشد صرامة مما تصور ترامب

يميل الزعيمان ترامب وشي نحو سياسة خارجية على غرار سياسة القوى العظمى، وقد أظهر الطرفان قوتيهما ثم تراجعا عن حافة الانفصال الاقتصادي. ديفيد إيغناتيوس – واشنطن بوست
يا لها من حرب تجارية رائعة! لقد استطاعت الولايات المتحدة والصين اختبار ترسانتهما الثقيلة من الرسوم الجمركية والحظر دون إلحاق ضرر كبير ببعضهما. وبعد ذلك تراجع زعيما البلدين عن حافة الانفصال الاقتصادي في اجتماع قمتهما في كوريا الجنوبية يوم الخميس، رغم توقع عديد من المحللين بهذا الانفصال منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
ويوضح كريستوفر جونسون، كبير محللي الشؤون الصينية السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والذي يدير الآن مجموعة استراتيجيات الصين، وهي شركة استشارية: “أدرك الجانبان معنى الانفصال الحقيقي. وفي مقابلة معه، أخبرني أن هذا “الإصلاح المؤقت” سيمنح كل حكومة فسحة للتنفس.
لقد وافق ترامب على وقف فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على بكين، والتي أقرّ هو نفسه بأنها “غير مستدامة”، وحدد سعراً أقل. وقد تراجع بعد أن وافقت الصين على تعليق حظرها المحتمل والمرهق للمعادن الأرضية النادرة التي تحتكرها لمدة عام. ويؤكد جونسون أن الصين أظهرت قدرتها على منع “هيمنة ترامب التصعيدية” من خلال ضوابط التصدير التي تفرضها.
لكن في رأيي، تبدو القمة أقرب إلى مكسب للجميع منها إلى هزيمة لترامب. فقد استعرض الجانبان قوتهما، وأخافا الأسواق المالية بما يكفي لكسب مصداقيتهما، ثم توصلا إلى تسوية مؤقتة تمهّد الطريق لما يتوقعه جونسون بأن يكون عاماً من القمم بزيارات متبادلة للصين وأمريكا.
لقد وصف ترامب الاجتماع بمبالغته المعهودة؛ وقال للصحفيين على متن طائرة الرئاسة أثناء مغادرته كوريا الجنوبية: “على مقياس من 1 إلى 10، حيث 10 هي الأفضل، أقول إن الاجتماع كان 12”. وما يلفت انتباهي وأنا أشاهد ترامب وشي وهما يتجادلان في هذه اللحظة هو أنهما يشتركان في ميلهما للحكم الفردي لكنهما يحملان معه شخصيات وقيماً وتجارب مختلفة جذرياً.
ويجادل جوزيف توريجيان، الأستاذ في الجامعة الأمريكية ومؤلف كتاب “مصالح الحزب أولاً”، وهو سيرة ذاتية رائعة لوالد شي، قائلاً: “يرى شي نفسه بوضوح رجلاً مصيرياً، وأحدث راعٍ للحضارة الصينية، ومهمته توجيه بلاده على طريق التجديد الوطني”. وبالمثل، يرى ترامب نفسه أداة للتجديد الوطني، وسيجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، كما يعلن ملايين من أتباعه ذوي القبعات الحمراء.
ومع ذلك، فإن الاختلافات بينهما صارخة؛ إذ يبدو أن أحد الرئيسين يتلذذ بالفساد؛ ويعلن أنه يحارب النخبة في الدولة العميقة بينما يراه الآخر سماً قد يدمر سيطرة حزبه. وسلك أحدهما طريقاً مرصعاً بالذهب إلى السلطة كابن لقطب عقاري كبير؛ بينما عانى الآخر معاناة بالغة خلال سنوات التطهير في سبعينيات القرن الماضي. وأحدهما يلعب لعبة قصيرة بسياسات متذبذبة بشدة؛ والآخر لعبة طويلة مبنية على خطط دقيقة وأهداف واضحة المعالم.
وبينما يستخدم ترامب قراراته المندفعة كأسلحة للمساومة فإن شي مُنفذ منضبط. لكن لينغلينغ وي، وهي مراسلة صينية بارزة في صحيفة وول ستريت جورنال، جادلت مؤخراً بأن شي قد تعلّم من تفاعلاته مع طبيعة ترامب، واعتمد نهجاً يعتمد على استراتيجية جاءت في عنوان تقريرها: اضرب بقوة، ولا تتنازل كثيراً.
وقد تعهد شي عام 2012، مع توليه السلطة، بأنه سيحارب الإرهاب والفساد في آن واحد، محققاً بحزم في قضايا انتهاك كبار المسؤولين للقانون. وأخبرني مسؤول استخبارات أمريكي سابق أنه في اجتماع مبكر مع زملائه من قادة الحزب، وضع شي أمام كل منهم ملفاً أزرق اللون يوثق فساد أقاربهم. ومنذ عام 2012، نفّذ مفتشو الحزب التابعون لشي إجراءات تأديبية بحق أكثر من 6 مليون شخص، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال. وارتفع عدد الأشخاص الذين خضعوا للتحقيق بتهمة ارتكاب مخالفات من حوالي 180 ألفاً عام 2013 إلى 889 ألفاً العام الماضي.
ما هو المستقبل الآن؟ يقول جونسون: يبدو أن ترامب يسعى إلى علاقة مع شي تحاكي تلك التي كانت بين الرئيس رونالد ريغان والزعيم الروسي ميخائيل غورباتشوف. وللوصول إلى ذلك، كان عليه تهدئة الموقف. وكانت تعليماته لوزير الخزانة سكوت بيسنت: “دعونا نعقد صفقة”.
ويبدو أن ترامب ينظر إلى السياسة الخارجية للقوى الكبرى على أنها نادٍ للصلابة، ومن الواضح أنه يعتبر شي عضواً فيه. وبغض النظرعما قد يقوله ترامب عن شي فمن المؤكد أن الأخير أثبت أنه خصم أشد صرامة في الحرب التجارية مما تصوره ترامب.




