أبرزشؤون لبنانية
“الرّاعي” من عظة اليوم: الفراغ الرئاسي مقصود للأسف لمصالح شخصية
جاء في عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي،اليوم الأحد 9 تمّوز ما يلي:
“إختار يسوع من تلاميذه إثنين وسبعين آخرين وأرسلهم” (لو 10: 1)
- “التلاميذ الإثنان والسبعون الآخرون” هم من جملة التلاميذ الذين كانوا يتبعون يسوع في تنقّلاته وتعليمه، وشاهدوا معجزاته وآياته. فتتلمذوا على يده. وهم بالتالي غير الرسل الإثني عشر الذين اختارهم وجعلهم أساقفة العهد الجديد. هؤلاء التلاميذ شكّلوا جزءًا هامًّا من الكنيسة الناشئة، وهم معروفون اليوم بالشعب المسيحيّ. هؤلاء أرسلهم الربّ يسوع ليعلنوا حلول ملكوت الله. وهو ملكوت الإتحاد بين الله والبشر بواسطة الكلمة المتجسّد يسوع المسيح، وملكوت وحدة البشر فيما بينهم، أي ملكوت الشركة ببعديها العاموديّ والأفقيّ.
يدعونا الربّ يسوع، شعبًا: أساقفةً وكهنة ورهبانًا وراهبات ومؤمنين، لنصلّي ونلتمس من الله نعمة الإلتزام بالرسالة المسيحيّة، فيقول: “الحصاد كثير والفعلة قليلون. أُطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده” (لو 10: 2). “الحصاد الكثير” هم البشر، و”الفعلة القليلون” هم الأساقفة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والمؤمنون بالمسيح الملتزمون. - يسعدني وسيادة أخينا المطران جوزف نفّاع، أن أرحّب بعائلتي شهيدي القرنة السوداء من آل طوق الأعزّاء: وهما الشاب هيثم وربّ العائلة مالك اللذين ودّعناهما الإثنين الماضي بكثير من الأسى والدموع. فإنّا نحيّي والدة الشهيد هيثم وشقيقيه وشقيقاته وعائلاتهم وسائر أنسبائهم في لبنان والمهجر. كما نحيّي زوجة المرحوم مالك وابنيه وابنتيه ووالدته وإخوته وإخته وعائلاتهم وسائر ذويهم في لبنان والمهجر نقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفسيهما في الملكوت السماويّ، ولعزاء عائلتيهما.
- وأوجّه تحيّة حارّة لأهالي بشرّي الأحبّاء الحاضرين معنا مرافقين عائلتي الشهيدين. فإنّا بالتعاون معهم نحافظ على الهدوء والإستقرار بانتظار أن يقول القضاء كلمته. كلّنا نلتزم بقراره، لأنّنا جميعنا نحترم الدولة ومؤسّساتها ولا سيما القضاء والجيش وسائر الأجهزة الأمنيّة، لأنّها وحدها تسهر على سلامة جميع المواطنين دونما تمييز.
إنّ المرحومين هيثم ومالك وقعا ضحيّة عدم احترام وتطبيق القرارات الإداريّة والقضائيّة الصادرة عن وزارة البيئة منذ سنة 1998، وعن القاضي العقاريّ في الشمال منذ سنة 1919، بشأن موقع جبل المكمل-القرنة السوداء، ومحلّة سهل سمارة المتنازع عليها. كلّ هذه القرارات تمنع الأعمال العامّة والخاصّة على سطح الأرض وباطنها، وجرّ المياه، وإنشاء بحيرات إصطناعيّة، حفاظًا على المياه الجوفيّة التي تغذّي الينابيع، وتسهيلًا لسير أعمال التحديد والتحرير. - يتّضح بكلّ أسف أنّ عدم تطبيق القرارات القضائية والادارية المتخذة، ناتج عن تدخلات سياسية معروفة ومألوفة على حساب دولة القانون والمؤسسات وهيبتها . ولو تمّ تطبيق هذه القرارات العلمية الموضوعية المتجردة لما كانت استمرت المشكلة قائمة بنتائجها المأساوية، وآخرها مأساة سقوط الشهيدين هيثم ومالك طوق.
المطلوب أيضًا وأيضًا رفع أيدي السياسيين وتدخلاتهم، التي تعيق عمل الأجهزة الأمنية المكلفة بتنفيذ الأحكام القضائية والقرارات الادارية، وإيقاف الأعمال فوق أرض القرنة السوداء أو في باطنها، وبخاصة المتعلقة بالمياه، عملاً بالقوانين، التي تمنع التعاطي بالمياه متى كانت على ارتفاع يتجاوز الألفي متر.
ومطلوب من البلديات المعنية في بشري وبقاعصفرين واهدن-زغرتا التجاوب مع طلب القاضي العقاري في الشمال لجهة تسهيل أعمال فِرق المسّاحين وتقديم الأوراق والمستندات الموجودة بحوزتها لانجاز هذه الأعمال واتمام عملية التحديد والتحرير. - بالعودة إلى كلام الربّ يسوع في إنجيل هذا الأحد، يرسم لنا نحن المسيحيّين الذين يرسلهم إلى العالم، إكليروسًا وعلمانيّين، مقتضيات النهج الرسوليّ وهي:
- الوداعة على مثال الخراف.
- عدم الهمّ بشأن الأمتعة الماديّة، ما يعني أن “نلقي الهمّ على الربّ، فهو يعولنا” (مز 55: 23). فيسوع “يعطي القدّيسين كلّ ما هو ضروريّ للحياة” (القدّيس كيرللس الإسكندريّ).
- التجرّد من المال لنكون مبشّرين بالإنجيل لا رجال أعمال.
- إعلان سلام المسيح لجميع الناس. حيث يُرفض، يعود إليهم.
- السعيّ إلى الواجب الرسوليّ، من دون أي معيق: “لا تسلّموا على أحد في الطريق” (الآية 4). السلام على الآخرين في الطريق والتحاور معهم أمر جيّد. لكن أداء واجباتنا لله أفضل وأبدى. “ليست الواجبات الإجتماعيّة واللياقات أفضل من واجب العبادة لله” (القدّيس أمبروسيوس).
- إنّ التعنّت في إبقاء الفراغ في سدّة الرئاسة، المقصود بكلّ أسف من أجل أهداف شخصيّة وفئويّة ومستقبليّة، قد أوصل إلى نتيجة حتميّة، تسمّى في المجلس النيابي المحوّل إلى هيئة ناخبة “تشريع الضرورة”، وفي حكومة تصريف الأعمال: “تعيينات الضرورة”. مثل هذا التصرّف يهدم المؤسّسات الدستوريّة والعامّة ويفقدها ثقة الشعب والدول بها. وهذه جريمة يرتكبها كلّ الذين يعطّلون عمليّة إنتخاب رئيس للجمهوريّة على الرغم من وجود مرشّحين قديرين.
فها المصرف المركزيّ في أزمة كيانيّة، ويطالب نوّاب الحاكم “بضرورة تعيين” حاكم جديد لمدّة ستّ سنوات، ويرفضون السير في التعيين بالوكالة لفترةٍ تنتهي مع انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة. وها الجيش اللبنانيّ يستدعي في حالة ظروفه الإستثنائيّة السير بتعيين “الضرورة”، حفاظًا على استمراريّة المؤسّسات الأمنيّة، لما في ذلك من ضرورة قصوى للإستقرار في لبنان والسلم الأهلي في ظلّ الأزمات المتلاحقة التي نعيشها.
إنّ الشغور الذي يطال المجلس العسكريّ في المؤسّسة العسكريّة والذي إذا استمرّ، قد يكون له مفاعيل سلبيّة جدًّا ليس على المؤسّسة العسكريّة فحسب، إنّما على الوضع الأمني في لبنان ككلّ. ففي ظلّ أي تغيّب قسريّ لقائد الجيش أو شغور في مركز القيادة، ليس من قائد آخر يتولّى المهمّة لأنّ مركز رئيس الأركان شاغر حتى الساعة، ما يترك الجيش دون قائد، وبالتالي سيصبح معرّضًا لكلّ أنواع المخاطر.
فما العمل؟ طبعًا الحلّ هو في انتخاب رئيس للجمهوريّة، والمرشّحان موجودان ! والحلّ الآخر المرغم يبقى “بتعيينات الضرورة” لملئ الشغور في المجلس العسكريّ وبخاصّة مركز رئيس الأركان، حفاظًا على المؤسّسة العسكريّة التي تثبت أنّها الضامن للأمن والإستقرار في لبنان. وعلى الحكومة والمجلس النيابيّ تحمّل مسؤوليّة التبعات القانونيّة. - فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، إلى الله القدير كي يحرّك ضمائر المسؤولين عن تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة، فيعودوا عن غيّهم، ويدركوا حجم الأضرار اللاحقة بالدولة والشعب. فالله سميع مجيب. له المجد والشكر إلى الأبد، آمين.