الروبوت.. وواقع الغد
كتب سعيد مبارك في صحيفة الرياض.
يشهد واقعنا المعاصر تحولاً تقنيًّا مذهلًا وغير مسبوق، فلم يكن مصطلح الذكاء الاصطناعي واردًا فيما مضى كما هو الحال في الفترة الراهنة، وقد زاد الحديث عن مزاحمته الإنسان واستبداله في مجالات كثيرة، وخصوصًا الذكاء التوليدي منه الذي بزغ نجمه منذ 2020م.
ونظرًا لأهمية الذكاء الاصطناعي الذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة، أصبح موضوعًا حاضرًا بقوة في الكثير من الفعاليات الدولية، التي أكدت أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير على جميع مناحي الحياة، وأن هذه التقنية بإمكانها مضاعفة التنمية العالمية، ومراقبة أزمة المناخ الشائكة، وتحقيق ثورة كبيرة في عالم الأبحاث الطبية. كما أن لها قدرة هائلة على تحليل البيانات، وتسهيل عملية اتخاذ قرارات شديدة الدقة، وصياغة سياسات قوية.
ومحور الحديث هنا: هل قدوم الروبوتات مصيري وحتمي؟ وهل توجد علاقة بين الثورة التِّقَنِيّة التي يشهدها العصر وبين ثورة الذكاء الاصطناعي التي باتت تهدد سوق العمل؟ وهل ستتولى الروبوتات وظائف البشر وتحل محلهم في مختلف المهن والمهام؟
ربما تكون هذه أبرز التساؤلات التي تدور بعقول أهل الاختصاص من كافة المجالات التي لها علاقة بالتقنية، وإجابة عن تلك التساؤلات، فإن الروبوتات أصبحت واقعًا معاشًا ومرئيًّا لا مراء فيه، وتطورها شيء محتوم؛ فهي ثمرة من ثمار ثورة التكنولوجيا التي تتغير بتغير ثواني الساعة الرقمية، والعلاقة بينها وبين ثورة الذكاء الاصطناعي علاقة وطيدة وعميقة.
وبحسب الكاتب الأمريكي كيفين درام، والخبير الاقتصادي جو بروسولاس، فإن الثورة الصناعية ستحدث فرص عمل جديدة، وإن الروبوتات ستوفر مزيدًا من الوظائف. كما أكد مجموعة خبراء في مجال الموارد البشرية والتقنيات الحديثة أن التقدم التقني والذكاء الاصطناعي لن يؤثرا على الفرص الاقتصادية والاجتماعية للإنسان في المستقبل، مع إقرارهم بأن الثورة الصناعية أبعدت قوة العضلات البشرية، وقلصت دور الأدمغة البشرية، وهذا هو الرأي الغالب في هذا المقام.
أما الدكتور محمد الجندي خبير أمن المعلومات فله رأي مغاير، حيث أكد أن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على برامج أو أشكال معينة، وبإمكانه التأثير على الأمن القومي، ويمثل عامل تهديد على المستوى المحلي، كما أنه من الممكن أن يحل محل عدد من الوظائف ويتسبب في زيادة نسبة البطالة، إلا أن له نتائج إيجابية في جوانب أخرى.
وعن التنبؤات التي تتوقع زوال الأمن وارتفاع نسبة البطالة، وتقلص الدور البشري؛ بسبب إحلال الروبوتات محل الإنسان في الكثير من المهام، عبر بعض الخبراء عن وجهة نظر إيجابية للغاية، حيث يقول الكاتب إنريكي ثامورانو: إن من أسباب مشاكل التغير المناخي سياسات الإنسان وأعماله، إلا أن الذكاء الاصطناعي بمقدوره إمداد الإنسان بالخطط والحلول لمكافحة ذاك التغير.
أما الدكتور درويش فأشار إلى أنه لا يمكن الاستغناء عن الذكاء الاصطناعي أو منع استخدامه، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي جاء لتطوير الشعوب والبشرية، والدول التي تصنع الفرق في ذلك، هي التي تتبنَّى تلك الحلول، وتكون قادرةً على تغيير نظرتها ونهجها حول المناخ ومشاكله.
وهناك الكثير من المفاهيم المستحدثة في المجال التقني، مثل تقنية الواقع الافتراضي والواقع المعزز، والمستخدمة في كثير من المجالات كمجال الطب والإعلام والسياحة والصناعة، ولا شك أن هذه التقنيات ستعمل على إذابة الفواصل بين الوهم والحقيقة، وبين الواقع والخيال.
وانطلاقًا من هذه الحقائق، يرى الدكتور درويش وخبراء آخرون ضرورة وضع ميثاق لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، يراعي المبادئ والمواثيق التي أعدتها منظمة اليونسكو. كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي من قبل أصحاب النوايا الخبيثة، مشددًا على الحاجة الماسة إلى التوصل إلى إجماعٍ بشأن ما يجب أن تكون عليه القواعد الإرشادية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وهذا من أعظم الأمور التي ينبغي إدراكها واعتمادها ركنًا من أركان السلامة العالمية.