الرهان الايجابي على الانتخابات كفرصة للتغيير
كتب مجد بو مجاهد في “النهار”: الايجابيّة التفاؤلية المضاءة مع بزوغ الأيام الأولى من العام 2022، مرتبطة حتماً بالرهان الذي تبديه عدّة أحزاب سياديّة على استحقاق الانتخابات النيابية على بعد أشهر قليلة. ويبدأ البناء على هذا التفاؤل من معطى رئيسي قائم على قناعة باتت راسخة لدى غالبية القوى السياسية، بأن الانتخابات حاصلة في موعدها المحدّد في أيار المقبل و”لا تأجيل”. وتشير المعطيات إلى أنّ مرجعية رئاسية باتت تقدّم نصائح جديّة إلى كلّ من يزورها من نواب حاليين أو مرشحين محتملين، بضرورة التحضير على أساس أن الاستحقاق المنتظر سيحصل في موعده وسط تأكيد دولي على أهميته. وتلتزم الحكومة إجراء الانتخابات كمهمّة رئيسية على جدول أعمالها، على الرغم من الاختلافات السياسية بين بعض مكوّناتها. وإذا كان الفريق الوزاري يعتمد أسلوب العمل المقسّم على اللجان في ظلّ غياب انعقاد مجلس الوزراء، فإن الانتخابات ستتحوّل إلى العنوان الأكبر على طاولة الورش الآنية في غضون أسابيع مرتقبة. ويُنتظر أن يشهد الشهر المقبل إعلاناً تدريجياً عن أسماء المرشحين على صعيد الأحزاب، التي بعضها سيعلن رسمياً عن كامل مرشحيه بدءاً من منتصف الشهر الجاري. وقد باشرت غالبيتها الاجتماعات الدورية في سبيل التحضيرات الانتخابية.
وإذا كان لا بدّ من اختصار واقع التحضيرات على صعيد الأحزاب، فإن حزب “القوات اللبنانية” كأبرز المتحمسين للاستحقاق، يعتزم الإعلان عن كامل المرشحين بعد 15 كانون الثاني الجاري. ويترقب كوادر تيار “المستقبل” عودة قريبة للرئيس سعد الحريري إلى لبنان للاضطلاع بالاشراف على التحضيرات والاختيارات الانتخابية. ويعبّر رئيس مجلس النواب نبيه بري عن دعمه اجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وهو ضدّ أي محاولة لتأجيلها. وقد عملت حركة “أمل” على إطلاق تحضيراتها التنظيمية انتخابياً. وباشر الحزب التقدمي الاشتراكي تحضيراته الانتخابية وأعلن عن غالبية مرشحيه. وأطلق حزب الكتائب ماكينته الانتخابية قبل أشهر، وهو في مرحلة اختيار المرشحين على صعيد المناطق. وبدأ “التيار الوطني الحرّ” استعداداته واختيار عدد من المرشحين. ولا تزال قوى ومجموعات الانتفاضة في مرحلة التشاور والتنسيق في ما بينها. وتعمل كلّ منها على اختيار مرشحين على صعيد كلّ مجموعة في الدوائر الانتخابية، مع الاستعداد لاستبدال أي مرشح لمقتضيات التحالف بينها. لكن المجموعات لم تصل بعد إلى مرحلة البحث والاتفاق على أسماء المرشحين حتى اللحظة.
تتقابل الايجابية بتغييرات انتخابية ممكنة مع بعض علامات الاستفهام حول القدرة على تبديل الواقع القائم. ويعبّر الخبير الدستوري صلاح حنين عن مجموعة تساؤلات تحيط قراءته للواقع الانتخابي عبر “النهار”، على الرغم من التأكيد على أهمية الانتخابات كاستحقاق دستوري. وتتمثل الملاحظة الأولى التي يسطّرها حول قانون الانتخابات ومدى قدرته على تحقيق التغيير وتمثيل طموحات الناس. ويستبعد امكانية التوصل إلى متغيرات باعتباره أن القانون مفصّل بحسب الأحزاب، بما يحوّل فرص تحقيق التغيير إلى ضئيلة. ويلفت حنين إلى ملاحظة ثانية قائمة على أن الانتخابات ستحصل في ظلّ وجود السلاح. فهل يستطيع المواطنون اختيار مرشحيهم بحرية في الدوائر والمناطق، خصوصاً تلك الخاضعة لسيطرة مباشرة لنفوذ السلاح؟ ويضيف السلاح إلى مجموع العوامل السلبية التي تستدعي التساؤلات حول قدرة الانتخابات على التغيير. أما الملاحظة الثالثة التي يشير اليها، فمبنيّة على أن هناك مناصرين لأحزاب السلطة والذين سيعيدون انتخاب مرشحيها لاعتبارات مصلحيّة. ويعبّر حنين عن ملاحظة رابعة قائمة حول كيفية خوض القوى والمجموعات التغييرية للانتخابات ومدى قدرتها على توحيد صفوفها في اللوائح وخوض الاستحقاق انطلاقاً من الانسجام في ما بينها. وفي حال نجحت هذه المجموعات تنظيمياً وعلى صعيد توحيد اللوائح، يمكن ترجيح الوصول عندئذ إلى نتائج ايجابية.
وانطلاقاً من البعد الدستوري لأهمية الانتخابات على الصعيد العام، يشرح الخبير الدستوري أنطوان صفير عبر “النهار” أن النظام الديموقراطي يؤسَّس على أن السيادة للشعب وأن السلطة في أي نظام ديموقراطي يجب أن تنبثق من الشعب عبر انتخابات دوريّة، فيما الوكالة المعطاة من الناخب هي لمدّة محدّدة حتى انتهاء المهمة التي حدّدت بموجب قانون الانتخاب بمدة 4 سنوات. وعند انتهاء السنوات الأربعة ينتهي مفعول الوكالة وتعود إلى صاحبها الذي يمكنه أن يختار من يريد في سياق العملية الانتخابية الديموقراطية التي يكفلها الدستور والقوانين شرط التطبيق الفعلي للقوانين من خلال المال الانتخابي والانفاق والدعاية الانتخابية وادارة العملية الانتخابية. وتعتبر الانتخابات مسألة طبيعية في كلّ نظام ديموقراطيّ، فيما أي تمديد لمجلس النواب يأتي كخرق فاضح لمبدأ سيادة الشعب الذي يمارسها بواسطة المؤسسات الدستورية المنبثقة من مجلس النواب الذي يعطي الثقة للحكومة للقيام بإدارة البلاد. ويمارس الشعب السلطة الأساسية كلّ أربعة سنوات في صناديق الاقتراع من خلال مبدأ دورية الانتخابات.
ويرى صفير أن “الانتخابات النيابية يمكن أن تكون بداية التغيير أو ومضة أمل وسط الأوضاع والتوازنات القائمة، إن على صعيد ممارسة الحكم أو طريقة الممارسة أو الآليات أو الروحية. فإن وصول وجوه جديدة وقادرة ولها طول باع في القضايا التشريعية والرقابية على الحكومة، يمكن أن تعطي أملاً جديداً في تغيير سيأخذ وقتاً طويلاً ولن تكون الانتخابات بذاتها انقلاباً ديموقراطياً تغييرياً بل بداية مهمة وصلبة لعملية تغيير حقيقية من خلال المؤسسات الدستورية”. ويخلص صفير إلى “أننا نعيش في حال الفوضى الادارية والقضائية والسياسية والتفلت الاقتصادي والنقدي. وصلت الأمور إلى حدود خطيرة يمكن أن تؤسس إلى مشاكل ربما تخرج عن المألوف. المسألة لكي تكون ذاهبة نحو ايجاد الحلول، لا بدّ من تشكيل حكومة قادرة على تأسيس لمرحلة الإصلاح وإعادة أموال المودعين من خلال برنامج واضح على أساس القوانين المرعية الإجراء باعتبار أن المودع ليس مسؤولاً. يمكن أن تبدأ بداية التغيير ووضع برامج واضحة في سبيل انهاض البلاد من المشكلة الاستراتيجية بعد الانتخابات النيابية، والا الوصول الى مزيد من الانهيار”.