الرهانات عالية مع اجتماع «الفيدرالي»: هل ينجح في تحقيق «هبوط ناعم»؟
يراقب من كثب تقرير التضخم في مايو بحثاً عن مؤشرات حاسمة لمكافحته
من المحتمل أن يكون انخفاض أسعار البنزين قد أدى إلى تباطؤ التضخم الذي يشهده المستهلكون الأميركيون في شهر مايو (أيار). ولكن مع صدور أحدث بيانات الأسعار الشهرية يوم الأربعاء، سيولي كل من تجار «وول ستريت» ومجلس «الاحتياطي الفيدرالي» اهتماماً خاصاً لمؤشر يستبعد تقلبات أسعار المواد الغذائية والطاقة.
ويتوقع خبراء الاقتصاد -وفقاً لاستطلاع أجرته شركة «فاكت ست» لتزويد البيانات- أن تكون أسعار هذه السلع الأساسية التي تُسمى «الأسعار الأساسية»، قد ارتفعت بنسبة 0.3 في المائة من أبريل (نيسان) إلى مايو، وهي النسبة نفسها في الشهر السابق. ويُعتقد أن التضخم الأساسي -مقارنة بالعام السابق- قد انخفض من 3.6 في المائة إلى 3.5 في المائة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».
وعلى الرغم من تباطؤ التضخم بشكل عام، فإن الضروريات الأساسية، مثل البقالة والإيجار والرعاية الصحية، أصبحت أغلى بكثير مما كانت عليه قبل 3 سنوات. وهو ما يمثل مصدراً مستمراً لاستياء الجمهور، وتهديداً سياسياً لفرصة إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن.
وتشير معظم المؤشرات الأخرى إلى أن الاقتصاد في حالة جيدة؛ إذ لا تزال معدلات البطالة منخفضة، والتوظيف قوياً، والمستهلكون يسافرون ويتناولون الطعام في المطاعم، وينفقون على الترفيه. ومع ذلك، تُظهر استطلاعات الرأي أن الارتفاعات التراكمية في الأسعار تؤثر على شعبية بايدن.
ويراقب مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» من كثب تقرير التضخم الشهري، بحثاً عن علامات على نجاحه في مكافحة ارتفاع الأسعار. وارتفاع أسعار المستهلك الأساسية بنسبة 0.3 في المائة يعد مرتفعاً جداً بمرور الوقت، ليتوافق مع هدف «المركزي» المتمثل في تضخم سنوي بنسبة 2 في المائة، ويمكن اعتباره بمثابة خيبة أمل. ومع ذلك، يفضل مسؤولو «الفيدرالي» مقياس تضخم منفصل، والذي يأتي عادة أقل قليلاً من مؤشر أسعار المستهلك الذي سيصدر الأربعاء.
ومن المقرر أن يترك مسؤولو «الفيدرالي» سعر الفائدة القياسي دون تغيير عند أعلى مستوى له في 23 عاماً، وهو نحو 5.3 في المائة، وذلك بعد انتهاء اجتماعهم الذي يستمر ليومين وينتهي يوم الأربعاء، بعد ساعات قليلة فقط من صدور بيانات التضخم لشهر مايو.
ويعتقد محللو «فاكت ست» أن انخفاض أسعار البنزين ربما أدى إلى تباطؤ التضخم الإجمالي إلى 0.1 في المائة فقط، من أبريل إلى مايو، انخفاضاً من 0.3 في المائة في الشهر السابق، وهو أدنى رقم منذ أكتوبر (تشرين الأول). ويُعتقد أن أسعار المستهلك -قياساً بالعام السابق- قد ارتفعت بنسبة 3.4 في المائة في مايو، وهي النسبة نفسها في أبريل.
وشكل ارتفاع التضخم المستمر تحدياً مزعجاً لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي» الذي يرفع أسعار الفائدة -أو يبقيها مرتفعة- في محاولة لإبطاء الاقتراض والإنفاق، وتبريد الاقتصاد، وتخفيف وتيرة ارتفاع الأسعار. وقد أبقى مجلس «الفيدرالي» على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير لمدة عام تقريباً، بعد رفعه بسرعة في عامي 2022 و2023. وأدت هذه المعدلات المرتفعة بدورها إلى ارتفاع تكلفة الرهن العقاري وقروض السيارات والبطاقات الائتمانية، وغيرها من أشكال الاقتراض الاستهلاكي والتجاري.
وكلما حافظ مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» على ارتفاع تكاليف الاقتراض لفترة أطول، زاد احتمال إضعافه الاقتصاد بشكل كبير، وربما التسبب في ركود. ولكن إذا خفض الأسعار في وقت مبكر جداً، فإنه يخاطر بإعادة إشعال التضخم. ويعتقد معظم صناع السياسة أن سياسات أسعار الفائدة الخاصة بهم تبطئ النمو، وينبغي أن تحد من التضخم بمرور الوقت.
وانخفض التضخم بشكل مطرد في النصف الثاني من العام الماضي، ما عزز الآمال بأن يتمكن مجلس «الفيدرالي» من تحقيق «هبوط ناعم»، أي السيطرة على التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة دون التسبب في ركود اقتصادي؛ لكن تحقيق مثل هذه النتيجة أمر صعب ونادر الحدوث.
إلا أن ارتفاع التضخم بشكل غير متوقع في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، أدى إلى تأخير خفض أسعار الفائدة الذي كان يأمل فيه «الفيدرالي»، وقد يعرض «الهبوط الناعم» للخطر.
وفي أوائل شهر مايو، صرح رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم بأول، بأن «المركزي» يحتاج إلى مزيد من الثقة بأن التضخم يعود إلى مستواه المستهدف، قبل أن يخفض سعر الفائدة الأساسي. وأشار باول إلى أن اكتساب هذه الثقة سيستغرق وقتاً أطول مما كان يعتقد مسؤولو «الفيدرالي» في السابق. وقد صرح كثير من المسؤولين في الأسابيع الأخيرة بأنهم يحتاجون إلى رؤية عدة أشهر متتالية من انخفاض التضخم.
بالإضافة إلى انخفاض أسعار البنزين، يقدر خبراء الاقتصاد أن أسعار كثير من السلع الأخرى قد انخفضت من أبريل إلى مايو، بما في ذلك الملابس والأثاث والسيارات الجديدة. وعلى الرغم من توقع ارتفاع أسعار السيارات المستعملة بعد انخفاضها لعدة أشهر، فإن هذا الارتفاع قد يكون مؤقتاً.
وقد تتراجع تكلفة إيجارات الشقق -وهي من المحركات الرئيسية للتضخم- بشكل طفيف. ويُعتقد أن تأمين السيارات قد ارتفع بنسبة حادة تبلغ واحداً في المائة فقط من أبريل إلى مايو، وفقاً لخبراء الاقتصاد في «غولدمان ساكس»، على الرغم من أن هذه الزيادة أقل من زيادات قدرها 1.8 في المائة و2.6 في المائة في الشهرين السابقين.
وتشير بعض العلامات إلى أن التضخم سيستمر في الانخفاض في الأشهر المقبلة. ويقلل الأميركيون -وخصوصاً الأسر ذات الدخل المنخفض- من إنفاقهم. واستجابة لذلك، ردَّت كثير من سلاسل البيع بالتجزئة والمطاعم الكبرى، بما في ذلك «وول مارت»، و«تارغت»، و«ولغرينز»، و«ماكدونالدز»، و«برغر كنغ»، بالإعلان عن تخفيضات أو صفقات في الأسعار.