حسين زلغوط – خاص, موقع رأي سياسي:
لا شك أن الرد الإيراني على الإعتداء الإسرائيلي الذي طال قنصليتها في دمشق مّثل منعطفًا جديدًا في المنطقة، وهو كشف عن أمرين أساسين: الأول أن الصبر الإستراتيجي لطهران قد نفذ، والثاني أنه أصبح هناك توازن ردع جديد بين ايران وتل أبيب، بحيث لم تعد اسرائيل تملك وحدها عنصر المباغتة، بمعنى أن تقوم بعمليات إغتيال لمسؤولين ايرانيين، أو تنفيذ هجمات بالصواريخ أو عن طريق الطيران الحربي من دون أن تحسب الف حساب، كون أن القرار الإيراني بالهجوم على مواقع ومناطق محددة بهذا الحجم من “المسيرات” والصواريخ “البالستية” سيتكرر في أية لحظة تتعرض فيها إيران لهجوم في أي مكان، فإسرائيل لن تكون قادرة بعد اليوم على القيام بأي فعل كما تريد، وبالتالي فإنها ستواجه صعوبات كبيرة بتوجيه ضرباتها كما اعتادت عليه على مدى الأشهر والسنوات السابقة، وهذا يدّل على أننا أصبحنا أمام منعطف جديد في المواجهة بين إيران وإسرائيل بدءاً من يوم أمس.
وغني عن القول بأن ما كانت عليه المنطقة قبل الرد الإيراني لن يكون هو ذاته بعد هذا الرد، وأن هذه المنطقة أصبحت فيها التطورات مفتوحة على كل الإحتمالات، بغض النظر عن الرغبة الاميركية بأن يكون الرد الإسرائيلي على الرد الايراني دبلوماسياً عن طريق مجلس الأمن وغيره، وما اذا كانت تل أبيب التي تعتبر نفسها أنها تعرّضت لإهانة علنية ثقيلة وغير مسبوقة، ستنصاع للرغبة الاميركية الطامحة الى عدم توسعة رقعة الحرب، لأن قواعدها ومصالحها في المنطقة ستكون في دائرة الخطر، حيث كان القادة في إيران واضحين لجهة التحذير من أن أي مشاركة أميركية بشكل مباشر سيستدعي رداً ايرانياً وستكون هذه القواعد في مرمى الصواريخ الإيرانية.
واذا كانت القيادتين السياسية والعسكرية قد حاولتا التخفيف من حجم الرد الإيراني، والتقليل من الخسائر التي لحقت بالأمكنة التي تساقطت بها الصواريخ الإيرانية، فإن بعض المحللين الإستراتيجيين الإسرائيليين قد دحضوا بأنفسهم إدعاءات القادة السياسين والعسكريين من خلال إشارتهم الى أن ما حصل شكّل نقطة الحضيض لحكومة نتنياهو، وأنّ الردع الإسرائيلي الذي منع إيران من مهاجمة إسرائيل مباشرة في مراحل سابقة إنهار، كما إنهارت جهود الردع الدولية المشتركة .
إنطلاقاً مما تقدم فان الإيرانيين ، سيكونوا على إستعداد للتعامل مع أي هجوم إسرائيلي إن حصل، مع الإنحياز هنا الى احتمال ألا تتسرّع إسرائيل بالهجوم، آخذةً في الاعتبار أنّ طهران أرادت ضرب القواعد الجوية وضرب تفوق الجيش الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وهي لو أرادت إلحاق الأذى بالعنصر البشري لكانت إستطاعت فعل ذلك وبسهولة، عن طريق إمطار إسرائيل بكم هائل من المسيرات التي تحمل على متنها مواد متفجرة، وكذلك عن طريق الصواريخ التي تُطلق من أماكن قريبة وليس من إيران من شأنها أن تُبطل مفعول منظومة الدفاعات الجوية، فاذا كانت إيران وعن بُعد ما يزيد عن 1700 كلم، وفي ظل سماء مزروعة بالطائرات والقواعد الأطلسية أوصلت صواريخها ومسيراتها الى حيث تريد، وأربكت اسرائيل بكل مكوناتها على نحو غير مألوف، فكيف كان عليه الحال لو ردت إيران من مسافات قريبة عن طريق حلفائها في لبنان أو سوريا أو العراق على سبيل المثال.
وفي هذا السياق وكدلالة على حجم الخسائر المادية التي لحقت بإسرائيل وحدها جراء التصدي للمسيرات والصواريخ الإيرانية لا بد من الإشارة لما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت عن قيادي عسكري سابق أن إسرائيل أنفقت ما قد يصل إلى 5 مليارات شيكل (نحو 1.35 مليار دولار) خلال ليلة واحدة من أجل التصدي للهجوم الذي أطلقته إيران باستخدام مئات المسيرات والصواريخ.
وقال رام أميناخ المستشار الاقتصادي السابق لدى رئاسة الأركان الإسرائيلية إن هجوم إيران كلف ما بين 4 و5 مليارات شيكل (بين 1.08 و1.35 مليار دولار)، وأوضح أن التكلفة تشمل فقط التصدي للمسيرات والصواريخ دون إدراج الخسائر الميدانية.
وأوضح أميناخ أن كل صاروخ من “نظام آرو” الذي يستهدف الصواريخ الباليستية يكلف نحو 3.5 ملايين دولار، بينما تدفع إسرائيل نحو مليون دولار لكل صاروخ في نظام “مقلاع داود” الخاص بإعتراض صواريخ كروز، إضافة إلى تكاليف تشغيل الطائرات المكلفة بإستهداف المسيرات.
إن خلاصة ما حصل هو أن اسرائيل ظهرت عاجزة عن حماية نفسها من دون مساعدة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، في المقابل فإن إيران كرّست معادلة مفادها أن أي عدوان لم يعد يمر من دون عقاب.