أبرزرأي

الرد الأوروبي على تعريفات ترمب

كتبت جيانا سميالك في صحيفة نيويورك تايمز.

يتبع مسؤولو الاتحاد الأوروبي نهجاً مزدوجاً تجاه الحرب التجارية المتصاعدة، التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ففي الوقت الذي يعرضون إقرار خفض كبير على الرسوم الجمركية على السيارات والمنتجات الصناعية الأميركية الصنع، يبدون استعدادهم للرد سريعاً على الإجراءات الأميركية، بفرض رسوم جمركية واسعة النطاق.

في هذا الصدد، صرحت أورسولا فون دير لاين، رئيسة السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، الاثنين، بأن الكتلة المكونة من 27 دولة على استعداد لتطبيق نهج «صفر مقابل صفر» على المنتجات، بما في ذلك السيارات، وإلغاء الرسوم الجمركية على السلع، إذا ما أقدمت واشنطن على الأمر ذاته. وجدير بالذكر أن الرسوم الجمركية على السيارات داخل الاتحاد الأوروبي تبلغ 10% بالوقت الراهن.

إلا أنه في الوقت ذاته، أوضحت فون دير لاين ومفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، أن المسؤولين الأوروبيين على استعداد لفرض رسوم جمركية، وربما حواجز تجارية أخرى، للرد على واشنطن إذا أخفق الجانبان في التوصل إلى اتفاق. ومن المقرر أن يبدأ تطبيق هذه الرسوم الجمركية في غضون أيام.

من جهته، أعلن أولوف جيل، المتحدث التجاري باسم المفوضية الأوروبية، التي تمثل السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، أن مسؤولي الاتحاد وزعوا، مساء الاثنين، في بروكسل، قائمة بالمنتجات التي يعتزمون فرض رسوم جمركية انتقامية عليها.

ومن المتوقع أن يصوت ممثلون من جميع الدول الأعضاء بالاتحاد على تلك القائمة، اليوم. وحال الموافقة عليها، ستدخل الرسوم الجمركية الجديدة حيز التنفيذ على دفعتين – الأولى في 15 أبريل (نيسان) الجاري، والثانية بعد شهر. إلا أن المسؤولين لم يعلنوا عن القائمة على الفور.

وستمثل هذه الرسوم الجمركية أول رد فعل ملموس من الاتحاد الأوروبي، على سلسلة الإجراءات التجارية الأخيرة التي اتخذها ترمب. وستشكل هذه الرسوم رداً، على وجه التحديد، على الرسوم الجمركية الأميركية على الصلب والألمنيوم، التي دخلت حيز التنفيذ في منتصف مارس (آذار) الماضي.

وصرّح مسؤولون بأنها ستكون مجرد خطوة أولى. وفي سياق متصل، يدرس صانعو السياسات الأوروبيون كيفية الرد على خطوات ترمب اللاحقة، بما في ذلك رسوم جمركية بنسبة 25% على السيارات، ورسوم جمركية شاملة بنسبة 20% على سلع الاتحاد الأوروبي، أعلن عنها الأسبوع الماضي.

وكان من المتوقع أن تأتي المجموعة الأولى من الرسوم الجمركية الانتقامية من جانب الاتحاد الأوروبي كاسحة، وإن كانت أقل، إلى حد ما، مما كان مخططاً له في الأصل.

من ناحية أخرى، فإن مقامرة أوروبا القائمة على استخدام سياستي الترغيب والترهيب في آن واحد، لدفع إدارة ترمب نحو طاولة المفاوضات، قد تخلف تداعيات ضخمة على الاقتصاد العالمي.

إذا جرى التوصل إلى اتفاق، فقد يعزز ذلك تدفقات تجارية أكثر حرية بين اثنتين من أكبر أسواق العالم، وأهم الشركاء التجاريين. أما إذا تمخض الصراع عن تصعيد التوتر وتردي العلاقات عبر الأطلسي، فقد يسهم ذلك في تأجيج حرب تجارية تخلف تداعيات مؤلمة على المستهلكين والشركات على جانبي الأطلسي.

من جهته، أعلن سيفكوفيتش، الاثنين، في لوكسمبورغ، «نحن على أتم الاستعداد للجلوس على طاولة المفاوضات متى ما كان شركاؤنا الأميركيون مستعدين». وقد عقد ما وصفه باجتماع «صريح» استمر ساعتين مع نظرائه الأميركيين، نهاية الأسبوع الماضي. وقال: «يظل الاتحاد الأوروبي منفتحاً على المفاوضات ويفضلها بشدة، ومع ذلك فإننا لن ننتظر. نحن مستعدون لاستخدام كل ما في ترسانتنا من أدوات الدفاع التجاري».

الواضح أن المسؤولين الأوروبيين يدركون أن اشتعال حرب تجارية شاملة قد يخلف عواقب مؤلمة على جانبي الأطلسي.

في هذا السياق، عبر يورن فليك، مدير «مركز أوروبا» التابع لـ«المجلس الأطلسي»، عن اعتقاده بأنهم «لعبوا بذكاء حتى الآن، عبر تجنب الانجرار إلى دوامة تصعيدية»، موضحاً أن جزءاً من اللعبة لأوروبا، الانتظار حتى تبدأ آثار اضطرابات التجارة في التأثير على الولايات المتحدة، مع إظهار الاستعداد للرد بقوة.

وقد استغرق المسؤولون وقتاً لتعديل المجموعة الأولى من قوائم الإجراءات الانتقامية، لرغبتهم في مراعاة ردود الفعل من جميع أنحاء القارة الأوروبية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه كان من المقرر في الأصل أن يدخل جزء من القائمة حيّز التنفيذ في 31 مارس. ومع ذلك، تقرر تأجيل هذه الخطوة، لإجراء مزيد من التعديلات بعد أن هدد ترمب بفرض تعريفة جمركية بنسبة 200%، على جميع المشروبات الكحولية الأوروبية.

من ناحيتها، أصرت بعض دول شمال أوروبا على ضرورة أن يكون الاتحاد الأوروبي حازماً في رده، بل ودفعت الاتحاد باتجاه استخدام أداة تجارية جديدة وقوية لوضع حواجز تجارية على الخدمات، ما قد يستهدف شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى مثل «غوغل».

في المقابل، أبدى قادة أوروبيون آخرون تردداً أكبر حيال الرد بقوة. على سبيل المثال، وصفت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، فكرة اضطرار إيطاليا للاختيار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بأنه أمر «طفولي». كما حذرت من تبعات الرد بقسوة على واشنطن.

المثير أن مسؤولي الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي الـ 27 اتفقوا على نقطة واحدة: رغبتهم في التفاوض. إلا أن جزءاً من التحدي هنا يكمن في أن واشنطن لم تُظهر رغبة تُذكر في التوصل إلى اتفاق سريع.

ومن جهته، صرح إيلون ماسك، رائد الأعمال في مجال التكنولوجيا والمستشار المقرب لترمب، السبت، خلال ظهوره عبر الفيديو مع «حزب الرابطة» اليميني المتطرف الإيطالي في فلورنسا، بأنه يأمل في أن تنتقل أوروبا والولايات المتحدة «إلى وضع تختفي فيه الرسوم الجمركية، بما يخلق فعلياً منطقة تجارة حرة».

على جانب آخر، حث بيتر نافارو، المستشار التجاري للبيت الأبيض، الاتحاد الأوروبي، الاثنين، على إلغاء ضرائب القيمة المضافة، والقيود المفروضة على اللحوم الأميركية المُنتَجة بالهرمونات أو غيرها من المواد الكيماوية. وقال: «أنتم تسرقون الشعب الأميركي بكل الطرق الممكنة. لذا، عليكم ألا تكتفوا بالقول إننا سنخفض تعريفاتنا الجمركية».

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى