الراعي: طريق الحلّ مرسوم في الدستور..

بمناسبة عيد مار يوسف، رأس البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي الذبيحة الالهية في معهد مار يوسف عينطورا للآباء اللعازريين. وقال: “في هذا الصرح التربوي حيث التلامذة ينمون مثل يسوع في طفولته وشبابه، يطيب لي أن أحيّي كل المشاركين في نموّ أجيالنا الطالعة بالأبعاد الثلاثة المترابطة والمتكاملة. أحيّي الوالدين الذي يضحّون بالغالي والنفيس من أجل نموّ شخصية أولادهم. ولهذه الغاية اختاروا مدرسة مار يوسف عينطورا هذه.
أحيّي الآباء والإدارة والهيئة التعليمية، لأنهم باسم الوالدين والكنيسة والمجتمع والوطن يتولون نموّ أجيالنا المتعاقبة في هذا الصرح التربوي العريق، موفّرين لهم نموًا مثلثًا: “بالقامة والحكمة والنعمة”. أحييكم وأشكركم لأنكم توفّرون للشبيبة “الأسس الثقافية والروحية والخلقية التي تجعل منهم مسيحيين ناشطين، وشهودًا للإنجيل، ومواطنين محبّين للبنان ولرسالته في البيئة العربية” (راجع الإرشاد الرسولي: رجاء جديد للبنان، 106)”.
وقال الراعي: ” يسعدني ان انقل الى الآباء والمربّين توصية قداسة البابا فرنسيس: “ان التربية لا تعني امتلاك أبنائنا بل جعلهم قادرين على الاختيار والحرية والانطلاق. التربية أكانت في البيت العائلي ام في المدرسة هي فعل حب حقيقي لا يمتلك احد الآخر ولا يسجنه لذاته ولا يخنقه، بل يربّيه على منطق الحرية بالمفهوم الذي أجاب به يسوع ابن الاثنتي عشرة سنة والديه عندما وجداه في الهيكل بين العلماء: “لماذا تبحثان عني؟ ألا تعلمان انه يجب عليّ ان اكون في ما هو لأبي؟” (لو 2: 49). ألم يقل جبران خليل جبران في كتابه، النبي: “أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة؟”
وتابع: “في الظرف الدقيق من حياة لبنان، سياسيًا واقتصاديًا وماليًا وأمنيًا، يشعر شبابنا بعدم الاستقرار، ويفقدون الثقة بالسياسيين وبالوطن اللبناني. ترانا أمام واجب إذكاء الثقة بنفوسهم وصمودهم حتى ينتهي الليل ببزوغ الفجر الجديد. وهذا يقتضي وعيًا وإدراكًا وقراءة لعلامات هذا الزمن. فأعود هنا لأنوّه بمسؤوليتنا المشتركة: كنيسة وأهلاً ومدرسة. صحيح القول أنّ الشخصيّة تُقاس بمقدار ما تزرع من أمل في النفوس.
كم من دولة هُدمت في الحروب قصفًا واحتلالاً وقتلاً وتشريدًا. ومع ذلك عاد ابناؤها وأعادوا إعمارها بأيديهم. نحن بحاجة الى تربية تحملنا الى إعادة بناء وطننا لبنان حجرًا وبشرًا، والنهوض به سياسيًا واقتصاديًا وماليًا، وإعادة بناء وحدتنا الوطنية والثقة المتبادلة. “فلبنان قيمة حضارية ثمينة” (القديس البابا يوحنا بولس الثاني). فلتنظر أجيالنا الطالعة الى الداخل اللبناني قبل النظر الى الخارج. فالخارج أعاد بناء بلاده بيديه. فكم نخجل من ذواتنا عندما نرى الدول تعتني بضرورة انتخاب رئيس لبلادنا، فيما زعماء التعطيل يهزؤون منهم في نفوسهم، بل يتوقون الى فشل كل مبادرة أكانت من الداخل ام من الخارج. وهذه وصمة عارٍ على جباههم”.
وأضاف: “زارتنا بالأمس لجنة السفراء الخماسية، وأطلعتنا على نشاطاتها وتطلعاتها وخريطة عملها. فقدّرنا تعبها وجهودها وتمنّينا لها النجاح وأعربنا عن استعدادنا لموآزرتها. وقلنا للسادة سفراء هذه الدول الصديقة والفاعلة بجديّة لخلاص لبنان: ستّ سنوات مضت في عهد الرئيس العماد ميشال عون، ألم تكن كافية للتوافق على شخص خلفه؟ وها الجمهوريّة من دون رئيس وتعيش في حال من الفوضى منذ سنة ونصف، فماذا فعلوا من أجل التوافق على شخص الرئيس؟ وصارحت السادة السفراء، أنّ طريق الحلّ مرسوم في الدستور، وأنّ التوافق على شخص، على الرغم من جمال الكلمة، منافٍ للدستور وللديمقراطيّة وللمنطق في جوّ الإنقسام السائد في البلاد. فالتوافق كما نرى يعطي حقّ الفيتو على الأشخاص، ويخلق العداوات مجّانًا في عائلتنا اللبنانية. هناك فرق كبير بين وضع فيتو على هذا أو ذاك من الأشخاص وعدم التصويت له. الحلّ هو في الذهاب إلى المجلس النيابيّ وانتخاب الرئيس وفقًا للمادة ٩٥ من الدستور، من بين الأشخاص المطروحة أسماؤهم أو غيرهم وكلّهم جديرون، وذلك في جلسات متتالية. وبنتيجة الإقتراعات يتوافق النوّاب على اختيار الرئيس الذي تحتاج إليه البلاد في الظروف الراهنة، والذي يحصل على العدد المطلوب من الناخبين يكون هو الذي يتوافقون عليه”.
وختم الراعي: “فلنصلِ، أيها الإخوة والأخوات الأحباء، كي يبارك الله عائلاتنا بشفاعة شفيعها القديس يوسف البتول، فتكون زرعًا صالحًا في ارض الوطن تثمر ثمارًا وفيرًا، وكي يبارك عائلتنا الوطنيّة ويحفظها في وحدة تنوّعها. لله كل مجد وشكر وتسبيح الآب والابن والروح القدس، آمين”.