الرابحون والخاسرون من فوز ترامب
كتبت د. دانة العنزي في صحيفة الراي.
الفوز الساحق لترامب من شأنه أن يغيّر أو يعيد رسم المشهد الداخلي والخارجي الأميركي برمته. فترامب رغم الكثير من خصاله السيئة، وافتقاره للخبرة العميقة بطبيعة صنع السياسة الخارجية والداخلية الأميركية لكن مع ذلك، يحسب له وضوحه الشديد وصدقه في تنفيذ أي وعود قد قطعها على نفسه، فضلاً عن استحواذه على الغالبية في الكونغرس التي لن تعيقه على تنفيذ سياساته. وفي خضم ذلك الانقلاب شبه الجذري المرتقب في السياسات الأميركية خلال ولاية ترامب هناك بالقطع عدد من الرابحين والخاسرين.
على الصعيد الداخلي، هناك بعض الرابحين لكن بدرجات متفاوتة. وأهمهم «بحق وصراحة» هم الأميركيون ذاتهم خصوصاً الفقراء والذين يصارعون في أزمات اقتصادية. فترامب كونه رجل أعمال ناجحاً، فضلاً عن تركيزه التام على الاقتصاد، واستناداً أيضاً إلى ولايته الأولى؛ قادر على دفع الاقتصاد الأميركي لقفزات متقدمة إلى الأمام، لكن الأهم من ذلك هو قدراته على تخفيض المستويات المرعبة من التضخم، وتوفير الملايين من فرص العمل. ولعل ذلك من أهم أسباب فوز ترامب الساحق، وانحياز كتل تصويتية غير متوقعة له خصوصاً من المهاجرين والملونين.
وهناك بعض الرابحين بشدة من فوز ترامب، يأتي على رأسهم شركات الطاقة الأميركية، والأغنياء بعد وعود تخفيض الضرائب، ومجمع المال والأعمال في «وال ستريت»، والكتل والتجمعات اليمينية بأشكالها كافة.
أما الخاسرون، فعلى رأسهم المهاجرون غير الشرعيين الذين يقدّر عددهم بنحو 20 مليوناً معظمهم من أميركا الجنوبية، وذلك في ضوء خطط ترامب الجادة لترحيلهم. ومن الخاسرين أيضاً، الكثير من الشركات الأميركية التي تعتمد على الصادرات الخارجية خصوصاً من الصين وذلك في ضوء الرفع الكبير من التعريفات الجمركية. وأيضاً، الكثير من المؤسسات والشخصيات خصوصاً الديمقراطية المعادية لترامب.
أما على الصعيد الخارجي، فالخاسرون كثر، فقد تبين خلال السباق الرئاسي أن ترامب (2)، لن يختلف تماماً عن ترامب (1) خصوصاً في السياسة الخارجية، حيث التشبث بالنهج شبه الانعزالي وسياسة الصفقات. ما سيترتب على ذلك في المقام الأول خسارة كبيرة لمعظم حلفاء واشنطن التقليدين أو التاريخيين خصوصاً الأوروبيين -كما كان إبان ترامب (1)- الذين يعتمدون على الولايات المتحدة بصفة شبه كلية في الحماية العسكرية والدعم الاقتصادي والدبلوماسي.
وبطبيعة الحال- ولن يخفي ترامب ذلك- فالخاسر الأكبر المترتب على خسارة الحلفاء هو أوكرانيا. فترامب سيسعى جاهداً منذ اليوم الأول لتوليه القيادة على إنهاء هذه الحرب التي يراها عبثية ليس لواشنطن مصلحة حيوية فيها، كبّدت الخزانة الأميركية مليارات الدولارات دون طائل.
وبحسب بعض التسريبات هناك تفاهمات سرية تجري الآن بين بعض من رجال ترامب وبوتين، حول الصفقة المرتقبة لإنهاء هذه الحرب. وخسارة أوكرانيا تكمن في تلك الصفقة المرتقبة. إذ على الأرجح ستكون صفقة لصالح روسيا بصورة كبيرة، سيفرضها ترامب فرضاً على أوكرانيا تتضمن تعهدات بعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، والاعتراف الرسمي بالقرم وبعض الأقاليم الأوكرانية الموالية لروسيا كأراضٍ روسية.
أما الرابحون فهم كثر أيضاً، يأتي في صدارتهم إسرائيل، وقد ظهرت بوادر قوية على ذلك عبر الفريق الجديد لإدارة ترامب الذي يضم كثيراً من الشخصيات شديدة التعصب لإسرائيل من أهمهم ماركو روبيو، المرشح لحقيبة الخارجية، والذي كان من أبرز الداعمين لحرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، وحق إسرائيل في التوسع على حساب دول الجوار.
وعليه، فمن دون أدنى شك، سيعمل ترامب على تحقيق كل طموحات وأهداف إسرائيل بصورة كبيرة، والتي قد تصل إلى الموافقة على ضرب المنشآت النووية الإيرانية، أو على أقل تقدير تضييق الخناق على إيران بصورة غير مسبوقة. ويندرج في إطار ذلك، دعم حروب إسرائيل حتى تحقيق جميع أهدافها، أو إيقافها – كما وعد – لكن بشروط شديدة القسوة والظلم.
ربما يعتقد الكثيرون أن الصين من أبرز الخاسرين من فوز ترامب، لكن الحقيقة عكس ذلك. إذ ستعد من أبرز الرابحين بسبب سياسة ترامب الانعزالية المناهضة للحلفاء، ما سيمنح للصين فرصاً ذهبية لملء الفراغ الناجم عن هذا الانعزال.