الديموقراطية والغرب!
كتب أسامة يماني في صحيفة عكاظ.
لفهم الآخر تجب معرفة كيف يفكر الآخر وما هي المنطلقات التي ينطلق منها، والقناعات والمسلمات التي يؤسس عليها مفاهيمه. الجمهور الغربي يقسم العالم إلى معسكرين؛ معسكر الخير وهي الدول الديموقراطية، ومعسكر الشر أو غير الديموقراطي، حتى لو كانت أنظمة تقوم على رضا وقناعة شعوبها. لهذا ترى أغلب الشعوب الغربية أن المعسكر الديموقراطي يحق له القيام خارجياً بكل ما يراه لصالح الديموقراطية. مما يسهل على الحكام والنخب السياسية في الغرب تمرير أجندتهم أياً كانت تجاه أي دولة ذات سيادة لصالح أجندتهم كالسيطرة والتحكم في مواردها ومقدراتها. وخاصة في ظل سياسة القطب الواحد التي استباحت سيادة الدول في العالم الثالث سواء في أفريقيا أو آسيا أو الشرق الأوسط أو أمريكا الجنوبية. كل هذا الطغيان مبرر لدى الجمهور الغربي لقناعتهم أن دولهم ديموقراطية تسعى إلى الخير في كل ما تقوم به من قتل وتشريد واستيلاء على الثروات. هذه القناعة هي ذات قناعة من يعتقد بالجهاد وحق المجاهد في السبي والفيء وأخذ الأموال والممتلكات.
نجح الكيان الصهيوني في تعاطف الغرب على مستوى الشعوب الغربية، وذلك من خلال تصوير نفسه جنة الديموقراطية في غابة الديكتاتوريات التي تحيط به. لا شك أن زرع الكيان من قبل الغرب في منطقتنا العربية كان بهدف ضمان وجود دائم للاستعمار الغربي، وإيجاد آلية دائمة للسيطرة على المنطقة، وقاعدة عسكرية متقدمة تقوم بما يجب عند الضرورة. من هنا يظهر جلياً كيف يستخدم الغرب الديموقراطية لتحقيق كل أهدافه وأطماعه ومصالحه على حساب الشعوب الأخرى. والأخطر من ذلك أن الدول التي تتبنى النموذج الغربي للديموقراطية يكون الغرب قد ضمن الهيمنة والسيطرة عليها وعلى مقدراتها ومثال تلك اليابان وكوريا الجنوبية.
البروفيسور جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، الذي حذر من الحرب في أوكرانيا في مقال له في عام 2013، واطلع على محاضرته في هذا الخصوص عام ٢٠١٥ أكثر من ٢٩ مليون مشاهد، قال في مقابلة له: إن المدرسة الواقعية السياسية ترى أن أهم عنصر من عناصر السياسة الخارجية الدولية هي القوة في العلاقات الدولية، حيث لا وجود لسلطة عليا تحمي الدول، لذلك كلما قويت الدولة استطاعت حماية مصالحها بخلاف الدولة الضعيفة التي تكون مستغلة من الدول الأقوى. ومن هنا يتضح مدى أهمية توازن القوى في السياسات الدولية. الواقعيون يرون أنه لا فرق بين الدولة الديموقراطية أو الأوتوقراطية، أو الفاشية، أو الشرعية؛ لأن جميع الدول تعمل في نظام لا سلطة عليا فيه. وأن الدول عليها أن تتنافس للوصول إلى القمة في هذا النظام الذي يفتقر لوجود سلطة عليا. ويرى البروفيسور ميرشايمر أن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، يرفض الفكر الواقعي الذي يرى أنه لا فرق في تصرفات السياسة الدولية الخارجية، لأن الناس في الغرب الليبرالي مقتنعون بأن الدول الديموقراطية تتصرف بطريقة نبيلة بخلاف الدول الاستبدادية، عكس المدرسة الواقعية التي لا ترى أن هناك دول خير ودول شر، فالجميع يتصرف بما تقتضيه المصلحة الخاصة به.
إن فهم ومعرفة طريقة تفكير الآخر يجعلنا أكثر قدرة على الحوار مع الآخر سواء إعلامياً أو دبلوماسياً.