رأي

الدونباس جائزة ترضية لبوتين؟

كتب راجح خوري في “النهار”:

عندما قام #فلاديمير بوتين بضمّ شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤، وبعدما أرسل جنوده من “مرتزقة فاغنر” الى لوغانسك ودونيتسك، أخيراً، لدعم المواطنين في تلك المناطق من اعتداءات من سمّاهم “النازيين الجدد”، بدا واضحاً أنه يعمل على احتمالين، طالما أشارت إليهما التحليلات حتى قبل بدء عملية غزوه ل#أوكرانيا في ٢٤ شباط الماضي.

الخطة ألف: التي كان يأمل أن يتمكن من تحقيقها، قبل أن تستيقظ دول حلف الناتو المجاورة الى خطورتها، أي التهام كل أوكرانيا في أسبوع على الأكثر، ولهذا كان الحشد الهائل من الجنود والدبابات، الذي تجاوز نصف عديد الجيش الروسي والذي استتبعه على ما يتذكّر الجميع بحشد للدبابات امتدّ على مسافة ٦٠ كيلومتراً لترهيب الأوكرانيين، وحتى الغربيين الذين ظنوا أن عملية الاجتياح لن تتجاوز الأسبوع، لكننا صرنا الآن في اليوم الرابع والأربعين، حيث تبيّنت حقائق مثيرة عن تقصير الجيش الروسي، الذي يعتمد تدمير المدن جوّاً وعبر القصف من بعد، والذي لم يتمكن من أن يتقدم الى كييف على امتداد أسابيع.

كانت المفاجأة رباعية: أولاً تمثلت في تقصير وعجز الجيش الروسي وهو ما دفع بوتين الى معاقبة قيادات مخابراته وضبّاطه الميدانيين، والى الخجل ولحس تلويحه المتهوّر بالسلاح النووي، ثانياً استبسال المقاتلين الأوكران في الدفاع عن مدنهم والتصدّي للجيش الروسي، ثالثاً توحيد الموقف الأوروبي عبر دول الناتو التي هبّت لمساعدة أوكرانيا، وانضمامها الى تسونامي العقوبات المتلاحقة التي قادتها الولايات المتحدة لخنق الاقتصاد الروسي، وكان واضحاً تماماً أن بوتين يراهن على استحالة قيام موقف أوروبي واحد وصلب في وجهه، رابعاً أن الصين عرفت كيف تدرس مصالحها الدولية على المدى البعيد، فلم تستجب لطلب بوتين مساعدتها عسكرياً، لكنها حفظت موقفاً محايداً يتناسب مع حساباتها في مواجهة الأحادية الأميركية.

وهكذا انتقل بوتين الى “الخطة ب”، أي إن كان ضم أوكرانيا يمثل له الجائزة الكبرى التي لم يتمكّن من الحصول عليها، فإنه يسعى الآن للحصول على جائزة الترضية، التي تتمثل بالسيطرة على منطقة الدونباس شرق أوكرانيا وتأمين طريق من #روسيا الى القرم، بما يعيد في أوكرانيا فصول تقسيم كوريا بين جنوبية وشمالية بعد حرب عام ١٩٥٠.

وعلى هذا الأساس دعت العاصمة كييف أول من امس، سكان شرق أوكرانيا الى إخلاء المنطقة فوراً وسط مخاوف من هجوم كبير للجيش الروسي على حوض دونباس الذي تقول إنه أصبح هدفاً أساسياً للكرملين، ودعت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إيرينا فيريشتشوك الثلثاء السكّان الى مغادرة الأراضي هناك، معتبرة أن انسحاب القوات الروسية من منطقتي كييف وتشيرنيهيف في الشمال، ليس دليل حسن نيّة من موسكو، بل نتيجة قرار الجيش الأوكراني والشعب صدّ الهجوم الروسي، وهو ما سيحصل في منطقة الدونباس التي ستتحوّل ساحة حرب طاحنة!

الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولنبرغ قال الثلثاء أيضاً إن فلاديمير بوتين يعزز صفوف قواته، لقد نقل عدداً كبيراً من هذه القوات الى الشرق، حيث سيعززها وسيعيد تنظيم تسليحها بعدما تكبّدت خسائر كبرى، تمهيداً لشنّ هجوم كبير على منطقة دونباس، بما يعني أن المنطقة ستكون أمام معارك طاحنة، وقد تشهد جرائم حرب كبيرة كتلك التي نقلت صورها المروّعة من بوتشا والتي تثير استنكار العالم!

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى