اقتصاد ومال

الدولة تفقد السيطرة على ضبط الإنهيار بشكل كلّي

 يتهاوى سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار بنسبة تراوحت بين 5 و7 في المئة منذ بداية الشهر الجاري، ليس هو منبع القلق، إنما فقدان السيطرة على ضبط الإنهيار بشكل كلّي من قبل الدولة. فمنذ تولي قوى الثامن من آذار أمرة الحكم وقمرة القيادة في البلد، بدأ اللبنانيون يربطون الأحزمة لخوض غمار رحلة مشؤومة نحو المجهول بعيداً عن مدار الاستقرار… وسرعان ما بدأت تتخطّفهم مطبّات الانهيار والتخبط في الأزمات والنكبات على طول الخط حتى بلغوا نقطة اللاعودة والانجراف مع “التيار” إلى منزلقات الهبوط “الحرّ” باتجاه لحظة الارتطام المحتوم بالأرض بعدما قطّع الثنائي الحاكم “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” كل خيوط مظلة الأمان العربية والدولية عن لبنان.

وعلى هذا الأساس، لا يجد كبار المحللين الاقتصاديين ما يتوقعونه حيال ما ستؤول إليه أوضاع اللبنانيين الكارثية، باعتبارهم أصبحوا أشبه بركاب “طائرة مخطوفة” لا يملكون تحديد مسارهم ومصيرهم في ظل انسداد الأفق الإصلاحية والإنقاذية وتخلي المسؤولين عن مسؤولياتهم في لجم الانهيار وكبح جماح الدولار الذي تؤكد كل المؤشرات أنه سيواصل طريقه بـ”طلوع”، مع ما يعنيه ذلك من تآكل ما تبقى من قدرة المواطنين الشرائية وانعدام كل مقومات صمودهم المعيشية والمالية، ليبدأ الخطر يهدّد حياتهم وأمنهم الصحّي مباشرةً مع انقطاع الدواء وحليب الرضّع والأطفال في الأسواق تحت وطأة قرار الشركات وقف تسليم الأدوية للصيدليات.

أما على صعيد تداعيات الأزمة الدوائية، فقد توقفت الشركات عن تسليم الحليب رقم 1 و 2 المخصّص للرضع، فيما تباطأ تسليم الحليب رقم 3 المخصص للأطفال، كما تؤكد الدكتورة الصيدلانية منار موسى سليم، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنّ “المشكلة تتعلق بمؤشر سعر صرف الدولار الذي تصدره وزارة الصحة وتلزم شركات الأدوية والصيدليات بالبيع على أساسه”، ولفتت إلى أنّ “هذا المؤشر ما زال محدداً على أساس 41 ألف ليرة، فيما تخطى سعر صرف الدولار في السوق 46300 ليرة من دون أن تصدر وزارة الصحة مؤشراً جديدا للتسعير على أساسه، الأمر الذي دفع أغلبية الشركات إلى التوقف عن تسليم الأدوية للصيدليات، ومن سلّم منها فبكميات قليلة جداً لا تكفي حاجة السوق”.

والأخطر بحسب موسى هو “دخول البلد في مرحلة عيدي الميلاد ورأس السنة وإقفال معظم شركات الأدوية أبوابها لغاية الثالث من كانون الثاني المقبل، فيما يقفل البعض منها لفترة أطول لانجاز الجردة السنوية”، علماً أنّ الصيدليات كانت تتحسّب خلال السنوات الماضية لهذا الأمر من خلال تأمينها مخزوناً يكفي لمدة 25 يوماً إضافية في آخر شهر من كل سنة، لكنّ ذلك لم يحصل هذا العام بسبب توقف بعض الشركات عن تسليم الأدوية وإقفال بعضها الآخر بانتظار صدور مؤشر جديد للتسعير من وزارة الصحة، ما سيحدث نقصاً كبيراً في الدواء حتى مطلع العام القادم.

بدورها،  تقول صاحبة إحدى الصيدليات في منطقة المتن، في جبل لبنان، لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة تكمن في تسعير الأدوية وفق مؤشر كانت تصدره وزارة الصحة أسبوعياً استناداً إلى سعر صرف الدولار، ويكون عادة أقل من سعر الصرف في السوق السوداء بنحو ألفي ليرة، لكن اليوم أحياناً تمر عشرة أيام أو أكثر قبل إصدار المؤشر وهو ما يجعل التجار وموزعي الأدوية يحتكرون الدواء ويمتنعون عن تسليمه مع الارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار طمعاً بالربح الإضافي لعلمهم المسبق أن كل مؤشر جديد سيلحظ زيادة في الأسعار». وفيما تلفت إلى أن مؤشر الأسبوع الماضي لحظ رفع الدعم الجزئي عن الدواء الوطني الذي يعتمد في تصنيعه على مواد أولية مستوردة ما أدى إلى ارتفاع سعر الدواء ضعفين، تشير إلى معلومات مفادها أن الشركات لن تسلّم الدواء قبل بداية العام المقبل، محذرة من تداعيات هذا الأمر لا سيما لناحية توجّه بعض الصيدليات للإقفال إذا نفدت كمية الأدوية الموجودة لديها، لكنها تشير في المقابل إلى وجود كميات كبيرة من الأدوية المهربة في الأسواق والصيدليات ولا سيما من سوريا وتركيا، وهو ما سبق أن أعلن عنه نقيب الصيادلة، وتقول: «هناك صيدليات في مناطق محددة مليئة بالأدوية المهربة وغير الشرعية لكن التفتيش لا يجرؤ على الدخول إليها، وهذا ما يؤثر على صحة المواطنين لا سيما إذا لم تكن ذات فاعلية».

من جهة أخرى، وفي الشأن الاقتصادي والارتفاع المخيف في أسعار الدولار، أشار الخبير المالي والاقتصادي الدكتور نسيب غبريل في حديث مع الأنباء الالكترونية الى أن ارتفاع الدولار مرده الى الجمود السياسي التام والشغور الرئاسي وعدم الجدية في انتخاب الرئيس وحكومة عاجزة عن اتخاذ القرارات اللازمة ولم يبق سوى مصرف لبنان كجهة رسمية قادر على اتخاذ القرارات لكن العين عليه، وبالمقابل هناك السوق الموازي غير الرسمي وغير المقونن بالاضافة الى الطلب على الدولار عبر الحدود.

 وسأل غبريل: “ماذا يمكن أن يفعله مصرف لبنان لوحده وأين السلطتين التنفيذية والتشريعية وأين الاجراءات التي تعيد الثقة وتشكل صدمة ايجابية؟ فكل ما يحصل مصالح ضيقة وتبادل اتهامات”، مشيراً إلى تمديد “المركزي” للقرارين ١٦١ و١٥١ حتى آخر حزيران المقبل الذي يتيح لشريحة واسعة من اللبنانيين الاستفادة شهرياً من السحب على منصة صيرفة.

ورأى غبريل أنه “لم يبق في البلد الا السلطة النقدية، والكل في إجازة الأعياد ولا أحد يسإل والاتكال على أموال المغتربين بانتظار ضخ الدولارات في السوق وهذا وحده لا يكفي بوجود مضاربين محترفين، وفي مقابل ذلك لا شيء يلجم ارتفاع الدولار”.

وأمام هذا التفلّت المالي والسياسي الحاصل، من يحمي اللبنانيين من الاحتمالات السيئة التي يمكن ان تحملها الأيام المقبلة؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى