الدفع النقدي «مؤلم»… لكن احذر تأثيرات سحر بطاقات الائتمان
عندما تذهب لشراء ملابس جديدة أو لتناول الغداء في أحد المطاعم أو حتى للتبضع لحاجيات المنزل الشهرية، قد تجد أن استخدام البطاقة الائتمانية يختلف عن الدفع نقدا. تمرير قطعة من البلاستيك أو المعدن لا يجعلك تشعر بأنك تنفق أموالاً حقيقية على الإطلاق.
في هذا الإطار، تظهر الأبحاث أن الأشخاص أكثر عرضة للإنفاق الزائد عندما يدفعون ببطاقة الائتمان بدلاً من النقد. وقد يكون أحد الأسباب أن استخدام المبلغ النقدي لإجراء عمليات الشراء الخاصة يعد عملية أكثر شفافية من استخدام بطاقات الائتمان حيث تأخذ المال من محفظتك وتسلمه لشخص آخر، ترى المبلغ الذي لديك في محفظتك يتناقص. من ناحية أخرى، عندما تقوم بالدفع باستخدام بطاقة الائتمان، فإنك في الأساس لا تلاحظ رصيد بطاقتك وقت الشراء، ولا تدفع فاتورتك حتى نهاية الشهر.
وكشف باحثون في مجال علم النفس في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، أن «الناس يميلون إلى الإنفاق أكثر عند استخدام بطاقات الائتمان، مقارنة بأولئك الذين يدفعون نقدا».
سيكولوجية استخدام بطاقة الائتمان
وأظهرت العديد من الدراسات وجود صلة واضحة بين استخدام بطاقات الائتمان وزيادة الإنفاق، وواحدة من أشهر الدراسات تأتي من درازين براليك ودنكان سيمستر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
ووفق الدراسة، أقام الزوجان مزاداً لتذاكر الأحداث الرياضية المرغوبة. واقتصر استخدام المشاركين على الدفع نقداً أو ببطاقة ائتمان للمزايدة على التذاكر. ووجدا أن أولئك الذين يستخدمون الائتمان كانوا على استعداد لدفع ما يصل إلى ضعف ما يدفعه المشترون نقداً مقابل التذاكر.
وقد وجدت دراسات أخرى فوارق أكبر بين المدفوعات النقدية وغير النقدية. وجدت إحدى الدراسات التي أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن أن متوسط قيمة التعاملات النقدية كان 22 دولاراً، في حين كان متوسط المعاملة غير النقدية 112 دولاراً.
قد يكمن السبب النفسي وراء هذه السلوكيات في مفهوم يعرف بـ«المحاسبة العقلية» والتحيزات السلوكية، مثل النفور من الخسارة.
لماذا يتعامل الناس مع بطاقات الائتمان بشكل مختلف عن المبالغ النقدية؟
وفقاً للنظرية الكامنة وراء المحاسبة العقلية، يضع الأشخاص قيماً مختلفة على نفس المبلغ من المال وفقاً لمعايير ذاتية، مثل مصدر الأموال أو الاستخدام المقصود لها. وبعبارة أخرى، فإنهم لا يفكرون في أن كل الأموال التي لديهم تأتي من نفس الوعاء، لذلك قد يتعاملون مع النقد وبطاقات الائتمان بشكل مختلف.
ووفق تجربة كلاسيكية أجراها اثنان من رواد الاقتصاد السلوكي، هما دانييل كانيمان وعاموس تفيرسكي. طُلب من المشاركين النظر في سيناريوهين. في البداية، طُلب منهم أن يتخيلوا أنهم اشتروا تذكرة بقيمة 10 دولارات لمسرحية مقدماً، وعند وصولهم إلى المسرح، أدركوا أن التذكرة قد ضاعت. ثم تم سؤالهم عما إذا كانوا سيشترون تذكرة بديلة.
في السيناريو الثاني، طُلب من أشخاص أن يتخيلوا أنهم لم يشتروا تذكرة بعد. وعندما يصلون إلى المسرح ويفتحون محفظتهم، يدركون أنهم فقدوا 10 دولارات. يتم سؤالهم عما إذا كانوا سيستمرون في شراء تذكرة للمسرحية.
كان أكثر من 88 في المائة من الأشخاص على استعداد لشراء تذكرة في السيناريو الثاني، بينما كان نصف هذا العدد على استعداد للقيام بذلك في السيناريو الأول. شعر الأشخاص في السيناريو الأول بأن سعر التذكرة قد تضاعف، على الرغم من أن النتيجة النهائية في كلا السيناريوهين تكلف نفس القيمة. كان الأفراد في السيناريو الأول قد حسبوا بالفعل المبلغ الذي كانوا على استعداد لإنفاقه على تذكرة المسرح. وعندما رأوا التكلفة مضاعفة، أصبح الوضع غير محتمل.
كذلك، تلعب التحيزات السلوكية الأخرى دوراً أيضاً، إذ يخلق الإنفاق ببطاقة الائتمان مساحة بين الشراء والدفع الفعلي، مما يؤدي إلى الفصل بين الاثنين في أذهان الأفراد. إن الإنفاق ببطاقات الائتمان يقلل من آثار التحيز السلوكي المعروف باسم النفور من الخسارة، وهو الميل إلى الشعور بالخسائر بشكل أكثر حدة من المكاسب. نظراً لأن الأفراد لا يرون الأموال تغادر أيديهم عند استخدام بطاقة الائتمان، فإن آثار النفور من الخسارة تقل.
عندما تظهر هذه التحيزات، قد ينفق الأفراد الذين يستخدمون بطاقات الائتمان المزيد على أشياء لا يحتاجون إليها، أو لا يستطيعون تحمل تكلفتها. نظراً لوجود تأخير بين عملية الشراء وألم الدفع، فقد يكون مستخدمو بطاقات الائتمان أكثر عرضة لإجراء عمليات شراء متهورة وتراكم ديون بطاقات الائتمان.
«ألم الدفع»
من ناحية أخرى، يمكن أن يكون استخدام النقود تجربة مختلفة تماماً بالنسبة للمستهلكين. يزيد الشراء النقدي من ظاهرة تعرف باسم «ألم الدفع» حيث يرى المستهلكون الأموال تغادر محفظتهم. ووفق إحدى الدراسات يشعر المستهلكون في الواقع بألم نفسي عند الإنفاق نقداً، مما يقلل من الرغبة في الشراء.
على الجانب الإيجابي، هناك أدلة على أن الدفع نقداً يزيد من ارتباط الأفراد بالمنتج أو الخدمة التي يشترونها. في الواقع، الأشخاص الذين يستخدمون طرق الدفع «المؤلمة» يكونون أكثر ارتباطاً عاطفياً بالمنتجات، ومن المرجح أن يقوموا بعمليات شراء متكررة للمنتجات.
بطاقات الائتمان تجلب السعادة؟
إذا كنت من محبي التسوق عبر المواقع مثل أمازون، فإن الدراسات أظهرت أن المستهلكين على استعداد لإنفاق المزيد عندما يقومون بتحصيل رسوم مشترياتهم، فمن المنطقي أن تكون بطاقات الائتمان جاهزة لعمليات الشراء الاندفاعية.
وبالنسبة للعديد من المشترين المندفعين، قد يكون التسوق وسيلة لتحسين مزاجهم، حسبما أوضح الطبيب في علم نفس المستهلك إيان زيمرمان، في مقال لمجلة علم النفس اليوم.
وكتب في المقال: «المشتري المندفع يحب المنتج، ويشعر بالسعادة عندما يفكر في قدرته على شرائه على الفور والعودة به إلى المنزل. لا يستطيع المشتري المندفع مقاومة الرغبة في شراء المنتج ويفعل ذلك، من دون النظر في ما إذا كان باهظ الثمن و/أو تافهاً».
وأوضح «مع بطاقات الائتمان، لأنك لا تدفع مقابل شيء ما لحظة شرائه، يكون إنفاق أموالك المستقبلية أقل إيلاما من الناحية النفسية من إنفاق أموالك الحالية».
وأشار إلى الظاهرة المعروفة باسم «اقتران الدفع»، والتي تشير الدراسات إلى الفارق الزمني بين الوقت الذي تختار فيه شراء شيء ما والوقت الذي تنتهي فيه فعليا إلى دفع ثمنه. أما بالنسبة لبطاقات الائتمان، لأنك لا تدفع مقابل شيء ما في اللحظة التي تدفع فيها ثمنه. إذا اشتريته، فإن إنفاق أموالك المستقبلية أقل إيلاماً نفسياً من إنفاق أموالك الحالية.
البطاقات الائتمانية لا تساعدك على الادخار
وأكد بحث نشرته مجلة «فوربس الأميركية»، أن 45 في المائة من حاملي بطاقات الائتمان «لا يعرفون تكاليف نفقاتهم الشهرية».
ووجدت الدراسة أن «حجم المصروفات والقيمة المعنوية للمشتريات غير واضحة لمستخدمي البطاقات الائتمانية، على عكس أولئك الذين يدفعون نقدا».
متى تختار تمرير البطاقة؟
ورغم مخاطر استخدام بطاقات الائتمان، فإنها لا تزال مفيدة في بعض الأحيان أو المواقف، مثل السفر أو استئجار السيارات، وحجز الفنادق، وشراء تذاكر الطائرة. قد تكون رسوم معاملات بطاقة الائتمان أرخص من الرسوم التي ستدفعها لسحب النقود عند السفر إلى الخارج. إذا فقدت بطاقتك أو سُرقت، فستحمي شركة بطاقة الائتمان العميل.
لكن عندما يتعلق الأمر بالدفع مقابل الأشياء، فقد لا يكون الأمر بهذه البساطة مثل «هل من الأفضل الدفع نقداً أم ببطاقة الائتمان؟» ومع ذلك، فإن إدراك الميول السلوكية يمكن أن يساعدك على الإنفاق بحكمة وتحقيق التوازن باستخدام بطاقة الائتمان والنقود بشكل مناسب.