الدعوة الحوارية المتأخّرة عهداً
كتب غسان حجار في “النهار”: تكاد الولاية الرئاسية تنتهي، وليس صحيحاً القول إن المدّة الباقية من عهد الرئيس ميشال عون كافية لوضع الأمور على السكة الصحيحة، فما لم يتحقق في خمس سنين، لا يمكنه أن يبصر النور في سنة انتخابية تحكمها المزايدات والخطب المتشنّجة لشدّ العصب الطائفي والمذهبي والحزبي والمناطقي.
الدعوة في ذاتها منطقية بعدما سُدّت كلّ الأبواب، لكن التسريبات التي ترافقها، وترفقها بتهديدات مبطّنة، وفيها أن الرئيس سيقول كلّ ما لديه إن لم تُلبَّ دعوته، أي إنه سيقلب الطاولة، ولو جزئياً، تجعل المطلب غير حواري على الإطلاق، بل ورقة ابتزاز يبرع فيه خصوم عون وتيّاره أكثر منه، إذ يملكون الخبرة، كما الأوراق، التي تؤهّلهم للعب هذه الورقة.
ثمّ إن للحوار أهدافاً، ولا يمكن أن ينطلق من عدم، فالحوار الوطني انطلق في جولات متعدّدة منذ عام 2006، وتحديداً مع الرئيس نبيه برّي، وقد شارك فيه آنذاك “ضبّاط” الصفّ الأول في السياسة.
ودعوة الأطراف السياسية “الى حوار وطني عاجل من أجل التفاهم على ثلاث مسائل، والعمل على إقرارها، وهي اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان، خطة التعافي المالي والاقتصادي”، مشوبة بالألغام والمطبّات، لأنها أولاً لا تصدر من موقع قوّة، بل على العكس، تبدو كأنّها خشبة خلاص في بحر متلاطم الأمواج، يغرق فيه أصحابه قبل غيرهم، خصوصاً أنهم أفاضوا على الناس وعوداً لم يتحقق منها شيء. ولأنها ثانياً تتناول مواضيع سبق أن طُرح بعضها مراراً وتكراراً على طاولات مماثلة ولم تبلغ أيّ نتيجة مرضية.
فحوار عام 2006 بين القوى السياسية التي تشكّل المنظومة لم يأت بنتيجة عملانية، والحوار الذي رعاه لاحقاً رئيس الجمهورية ميشال سليمان وتوصّل إلى ما سُمّي “إعلان بعبدا” الذي دعا إلى تحييد لبنان والنأي بالنفس عن مشاكل المنطقة خاصّة الدول العربية، أسقطه “حزب الله” قبل صياح الديك في الصباح التالي، إذ أعلن أن “الإعلان” وُلد ميتاً، ولم يلتزم به.
وكان الرئيس سليمان قد حدّد نقاط البحث بـ”سلاح المقاومة (حزب الله) وكيفية الاستفادة منه للدفاع عن لبنان”، و”كيفية إنهاء السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات ومعالجة السلاح داخلها”، و”نزع السلاح المنتشر داخل المدن وخارجها”.
وعُقدت برعاية برّي سبع جلسات تمّ خلالها التوافق على تخفيف الاحتقان السياسي ليس أكثر، مع توصية بنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات خلال ستة أشهر، فيما تأجّل البحث في الاستراتيجية الدفاعية.
وفي عام 2008، عندما وصل الاحتقان بين الفريقين إلى ذروته وما تلاه من انفجار الصراع في الشارع بين الفريقين في 7 أيّار 2008 على خلفية شبكة اتصالات “حزب الله”، كان حوار برعاية عربية في الدوحة القطرية، دام ستة أيام، وانتهى بالتوافق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً وتنظيم انتخابات تشريعية في العام التالي. لكن النار ظلت تحت الرماد، وإن خمدت ظاهراً.
وفي عهد سليمان، عُقدت أول جلسة حوار في 16 أيلول 2008 تلتها ست جلسات أخرى تمّ خلالها التوافق على ملفّي النفط والعلاقة مع سوريا، وكُلفت لجنة عسكرية بدراسة موضوع الاستراتيجية الدفاعية.
في الخلاصة، إن الجلسات الحوارية كانت تنتهي على زغل إذ تعالج المشاكل الآنية وتقدّم لها حلولاً موضعية تؤجّل الانفجار، من دون البحث في العمق، وهو ما يبدو أنه قد يحصل حالياً لإمرار وقت إضافي ومستقطع في انتظار متغيّرات إقليمية أو دولية مقبلة.