الداخل الأميركي والموقف من الرد على عدوان الأردن
كتبت ماريا معلوف في سكاي نيوز عربية.
خلال الأسبوع الماضي انتظر العالم كله الرد الأميركي على الهجوم الذي استهدف القوات الأميركية في الأردن قبل أكثر من أسبوع.
وكانت هناك قناعة لدى الكثيرين داخل الولايات المتحدة أن الرد سيكون متدرجا وليس إجراء واحدا بل إجراءات عديدة وليلة السبت شنت الولايات المتحدة هجوما على أهداف في العراق وسوريا ولا زالت حتى الساعة تواصل هجماتهما انتقاما لما حدث في الأردن.
قبل أن أتحدث عن موقف الداخل الأميركي من هذا الرد أحببت أن أتوقف قليلا عند مواقف الدول التي طالها هذا الرد حقيقة أو رمزا مبتدئة بإيران والتي على الدوام تبدي الدعوة إلى التحرك الدبلوماسي في صراعها مع الولايات المتحدة، حيث لاحظنا منذ الإثنين الماضي يوم الهجوم أن الدبلوماسية الإيرانية لم تصدر أي تصريحات عنترية، بينما يبدو العراق عاجزا عن الرد على اختراق سيادته من أي طرف أتى ذلك الاختراق وتبدو الحكومة العراقية متوقفة على الدوام عند مصطلح “الاستقرار الإقليمي” والخشية من جر المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه.
أما في الحالة الحوثية فلاشك أن هذه الضربات قد أوصلت رسالة مفادها بأن أميركا تقول لميليشيا الحوثي أنهم سيتحملون الكثير من العواقب إذا واصلوا اعتداءاتهم على ممرات التجارة عبر البحر.
في الداخل الأميركي رأت وسائل الإعلام الأميركية أن ما حدث ليلة السبت قرار صعب ومحفوف بالمخاطر وأنه مهمة شبه مستحيلة حيث أعلنت شبكة “سي إن إن” ان تلك الضربات تبدو صاخبة وأن صداها قد لا يتردد على الأرجح لفترة طويلة، لكنها تبدو خيارا واضحا ومحسوبا بعناية عند إدارة بايدن كما قالت الشبكة.
وأيضا في الداخل هنا وبالقرب من الكابيتول في واشنطن ذكر لي سيناتور ديمقراطي أن إدارة بايدن بهذه الضربة قد قامت بـ”مهمة شبه مستحيلة” فقد ضربت بقوة قاصدة إظهار ذلك مع إرادة أن يستطيع الخصوم امتصاص الضربة وعدم مهاجمة الولايات المتحدة وكأن إدارة بايدن أرادت تمكين الجماعات الإرهابية في كل من سوريا والعراق من تغيير مواقع تواجدها من أجل تخفيف خسائرها البشرية حتى تبقى “شعرة معاوية” بين الطرفين قائمة بهدف عدم زج إسرائيل في الموضوع بشكل ظاهر.
لكنني سمعت من صحفي آخر أن ما حدث من تفاعلات أحداث غزة والارتباك الذي شهده الموقف الأميركي خلال الأشهر الماضية أدى إلى تراجع شعبية الرئيس بايدن وهو الذي ينتظر انتخابات مرهقة بعد عدة أشهر مما جعله يقدم على تنفيذ هذه العمليات متعذرا بالحادث الذي وقع في الأردن.
أيضا في الداخل الأميركي تعالت الأصوات خلال هذا الأسبوع في مجلس الشيوخ تطالب بضرب الداخل الإيراني ردا على هجمات الأردن حيث تابع الإعلام الأميركي تصريحات توم كوتون القيادي في الحزب الجمهوري والذي أعلن صراحة أن بايدن سيكون جبانا أن لم يضرب طهران مباشرة.
في رأيي الخاص يمكننا القول إنه ربما تساعد تلك الضربات في تأسيس حرب متجددة في الشرق الأوسط بمقاييس أوسع وإن كانت تل أبيب قد فرحت بتلك الضربات وهي دوما تحبذ الصراع الإيراني الأميركي، لكن هنا في الداخل الأميركي من يطالب بايدن بالضغط على إسرائيل لوقف قصفها على غزة ووقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
في الخلاصة فإن أميركا أرادت إرسال رسالة إلى الميليشيات في المنطقة بعملياتها هذه لكنها كذلك لا ترغب في تصعيد التوترات وبالرغم من ذلك فإن الإعلام الأميركي يجمع على أن الشرق الأوسط في انتظار الانفجار الكبير، حيث أن أي مغامرة غير محسوبة من أحد الأطراف ستشعل حربا إقليمية ستكون إيران حتما طرفا فيها وهي التي ظن حلفاءها أن قتل 3 جنود أميركيين في الأردن سيمر دون رد صاعق لكن الرئيس بايدن كذلك لا يمكنه حتى اللحظة أن يستخدم القوة المفرطة في حل صراعه مع إيران بل سيكتفي بالضربات المتزامنة والمتلاحقة والتصاعدية داخل العراق وسوريا مع عدم توسيع رقعة الحرب أو المواجهة مع إيران بشكل كامل.
وأما الإعلام الأميركي فقد لا تنجح وسائله في جر إدارة بايدن إلى الحرب بالرغم من ذلك التعامل العنيف مع التطورات العسكرية في المنطقة والتي تمثلت في الغارات الأخيرة وهي- أي وسائل الإعلام- التي اثقلت بالأسئلة والتساؤلات كل ساعة على مسامع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان عن نية إدارة بايدن شن ضربات داخل إيران من عدمها وعن الافتقار إلى الشفافية في هذا الأمر أم أن كل الادعاء بالرد هو بروباجندا.
لكن الرد أتى غير منذر بحرب إقليمية كبرى مع أن تدرجه وتوالي أيامه قد لا تنجح معه تلك الضوابط التي تأمل أن لا يخرج الأمر عن الخطوط الحمراء، التي قد تفلت من أحد الأطراف في غفلة من هول الأحداث المتشعبة التي تعصف بالشرق الأوسط الملتهب.