الخلاف حول توقعات الطلب العالمي على النفط

كتب أنس بن فيصل الحجي في صحيفة إندبندنت عربية.
على رغم تهديدات الرئيس ترمب بالانسحاب من “وكالة الطاقة الدولية” أو تغيير مسارها بسبب تطرفها وحيادها عن مسارها الأصلي، وتركيزها على التغير المناخي بدلاً من أمن الطاقة، لكنها لا تزال مستمرة في حربها ضد صناعة النفط من طريق نشر توقعات متشائمة في شأن الطلب عليه والتركيز على بدائله، مما ينفر المستثمرين من الاستثمار في الصناعة، فقد خفضت الوكالة توقعاتها للطلب مرات عدة وخفضت أخيراً توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط لهذا العام من 704 آلاف إلى 685 ألف برميل يومياً، ولعام 2026 من 722 إلى 622 ألف برميل يوميا، لتتعارض مع توقعات “إدارة معلومات الطاقة الأميركية” التي ترى أن الطلب سينمو بمقدار 980 ألف برميل يومياً عام 2025، و”أوبك” التي ترى أن الطلب سيرتفع بمقدار 1.29 مليون برميل يومياً في العام ذاته.
المشكلة أنه حتى بعد أعوام من الآن لا نعرف مدى صحة هذه التوقعات، ولكن يمكننا ترجيح صحة بعضها بناءً على بيانات أخرى أكثر دقة، مثل معدلات النمو الاقتصادي وبيانات التجارة الخارجية وبخاصة في النفط، وبناء على ذلك يمكن القول إنه لا يمكن لتوقعات وكالة الطاقة الدولية أن تكون صحيحة للأسباب التالية:
أولاً، في وقت رفع “صندوق النقد الدولي” توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي لعامي 2025 و2026، خفضت “وكالة الطاقة الدولية” الطلب العالمي على النفط، وهذا غير منطقي بسبب العلاقة الطردية بين النمو الاقتصادي والطلب على النفط، فقد رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي من ثلاثة في المئة إلى 3.1 في المئة لعام 2025، ومن 2.8 في المئة إلى ثلاثة في المئة لعام 2026.
ثانياً، تتوقع الوكالة أن يرتفع الفائض في أسواق النفط إلى 1.8 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى في تاريخ الصناعة، وإذا كنا لم نصل إلى هذا المستوى في فترات الركود والإغلاق أثناء كورونا، ولا خلال الفورة في إنتاج النفط الصخري، ولا في فترة حروب الأسعار، فكيف نصل إلى هذا المستوى وهناك نمو في الطلب وأسعار النفط لا تزال في الستينيات، فالفكرة هنا أنه توقع غير منطقي ويتعارض مع الاتجاهات التاريخية.
ثالثاً، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع إنتاج النفط الأميركي بمقدار 570 ألف برميل يومياً خلال عام 2025 مقارنة بالعام السابق له وهذا رقم مبالغ فيه، إذ يتوقع كُثر أن يكون النمو بسيطاً بينما يتوقع آخرون انخفاضاً، وفي الوقت نفسه تتوقع “وكالة الطاقة” أن يكون نمو الطلب على النفط في الولايات المتحدة بمقدار 60 ألف برميل يومياً خلال العام الحالي، وأن يتلاشى النمو تماماً في العام المقبل، وهذا يتنافى من البيانات ولا يمكن لعاقل أن يقبله، فالطلب على النفط في الولايات المتحدة خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الحالي كان مرتفعاً وأضعاف المتوقع، وعلى رغم الانخفاض المتوقع لبقية العام لكن الزيادة ستكون أعلى من توقعات “وكالة الطاقة”، وفكرة عدم وجود نمو في عام 2026 تتنافى مع الواقع.
رابعاً، عدلت “وكالة الطاقة الدولية” توقعاتها القديمة صعوداً وبكميات كبيرة فبلغ مجموع التعديل نحو 350 مليون برميل وقد ذكرت الوكالة عبر تقريرها الصادر في مايو (أيار) الماضي أنها عدلت بيانات الطلب العالمي صعوداً بمقدار 260 ألف برميل يومياً لعام 2022، وبمقدار 330 ألف برميل يومياً لعام 2023، و350 ألف برميل يومياً لعام 2024، وبعد كل هذه الأخطاء لماذا نصدق بيانات الوكالة بوجود فائض تاريخي؟
خامساً، في تقريرها الأخير الذي صدر الأسبوع الماضي عدلت الوكالة بيانات الطلب على النفط في المكسيك صعوداً بمقدر 100 ألف برميل يومياً منذ عام 2020، وهذا أكثر من 180 مليون برميل خلال خمسة أعوام.
سادساً، الطلب الحالي على النفط في عام 2025 وفق “وكالة الطاقة الدولية” أعلى من توقعاتها التي نشرتها عام 2015 بنحو 3.2 مليون برميل يومياً، ولا ننكر أن لها أجندة معينة، ولا ننكر أن لها الحق في ذلك، ولكن أن تتم الأمور عبر الاستخفاف بعقول الناس فهذا يعني أن الوكالة وموظفيها يعيشون في أبراج عاجية، ولهذا انزعج الجمهوريون وحكومة ترمب منها، وهدد ترمب بالانسحاب منها أو تغيير وجهتها بالكامل، ويبدو أنها ستتحدى إدارة ترمب لأنها بدأت تبحث عن موارد مادية إضافية من طريق تقديم خدمات إضافية في مقابل مبالغ مادية، وبدأت بتجزئة الخدمات لتحصل على إيرادات أعلى، ولكن المرجح أن تتدخل إدارة ترمب بقوة وتغير وجهتها.
وإحدى مشكلات المنظمة أنها تبني توقعاتها للطلب على النفط في المدى المتوسط عبر تبني السيارات الكهربائية بصورة كبيرة، إذ يصل عددها إلى 240 مليون سيارة بحلول عام 2030، والمشكلة أن هناك نحو 50 مليون سيارة على الطرق حول العالم وسيجري التخلص من عشرات ملايين السيارات الكهربائية خلال الأعوام الخمسة المقبلة، مما يعني أنه لتتحقق توقعات الوكالة فسنحتاج إلى 300 مليون سيارة كهربائية خلال خمسة أعوام وهذا مستحيل، مما يؤكد أن توقعاتها ببلوغ الطلب العالمي ذروته غير صحيحة.