الخطة المزدوجة في سوريا: تركيا وجبهة النصرة والأميركي
كتب هدى رزق, في “الميادين” :
مع وجود “قوات سوريا الديمقراطية” في شرق الفرات و”هيئة تحرير الشام” في غرب الفرات، يتخذ الأميركيون نهجاً يتمثل في شل الإدارة السورية والضغط على إيران وروسيا.
مع بدء هجوم الفصائل المسلحة على حلب وأريافها، لتحقيق السيطرة على كامل حلب، اتجهت الأنظار إلى تركيا والفصائل المسلحة المدربة من الجيش التركي التي تنضوي ضمن تحالف ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري”، و”هيئة تحرير الشام” التي وضعت على لائحة الإرهاب، ما يثير تساؤلات عن الخيارات التي تتبعها أنقرة في التعاطي مع التغير الذي طرأ على خريطة النفوذ السورية.
وزير الخارجية التركي حقان فيدان أكد بداية أن بلاده “ليست منخرطة في الصراعات الدائرة في حلب”، مشيراً في الوقت نفسه أن أنقرة “تتخذ احتياطاتها، وستتجنب أي إجراء قد يؤدي إلى موجة هجرة جديدة”. ولفت الإعلام التركي المقرب من الحكومة أن ما يحصل سيشكل تطوراً محورياً يسمح لجزء كبير من اللاجئين بالعودة من دون ضغوط.
تم تسليط الضوء على دور حلب المحوري في أي حل مستدام للأزمة السورية، واعتبار أن الأمر يتطلب إخراج المدينة من سيطرة الدولة السورية، ولا يُشترط أن تكون السيطرة على حلب بيد تركيا، بل يمكن وضعها تحت إشراف الأمم المتحدة وجعل حلب منطقة آمنة ومستقلة نسبياً، يأتي هذا الهجوم العسكري بعد أن كانت الحكومة السورية وحلفاؤها قد طالبوا بـ”انسحاب الجيش التركي من سوريا” وعدّته روسيا احتلالاً.
اقتصرت التعليقات التركية بشأن هجوم الفصائل في حلب خلال الأيام الماضية، على وزارة الخارجية التي أكدت أن “الحفاظ على الهدوء في إدلب والمناطق المحيطة، أولوية قصوى بالنسبة إلى تركيا”.
رفضت روسيا وإيران وسوريا أي عملية عسكرية تركية ضد “قسد” بينما ترى تركيا أنها في المرحلة المقبلة ستتحدث مع الروس والإيرانيين والرئيس الأسد للوصول إلى حل سياسي في سوريا، وكانت روسيا قد وصفت تركيا بأنها قوة احتلال في سوريا وطالبت علناً بانسحاب القوات التركية.
هجوم الفصائل المدعوم عملياً من تركيا تحت مسمى “فجر الحرية”، ويهدف إلى “قطع الطريق من أجل الاستفادة من الفراغ الذي ستتركه التحولات في سوريا” ترى أنقرة أن هذه التحولات “تساعد في فرض رؤيتها لمشروع التطبيع مع دمشق، وفرض رؤيتها للحل السياسي”. دأبت تركيا على أخذ موافقة واشنطن عندما تقوم بعملية كهذه، فهي تسعى إلى منطقة آمنة وتقوم بالتوافق مع الجولاني و”جبهة تحرير الشام” التي تتقاطع علاقتها مع التركي والأميركي في وضع اليد على الطريق التي تصل إيران بالعراق بحزب الله وهو مسعى أميركي- إسرائيلي.
وتسعى أنقرة إلى وضع تفاهمات جديدة مع روسيا وإيران في سوريا، قد تؤدي إلى إعادة تأسيس المنطقة في ظل التحولات الحاصلة، التي يمكن أن تؤدي إلى “تعزيز مسار التسوية السياسية وبداية النهاية للحرب”، إذ تعدّ نفسها اللاعب الرئيسي في سوريا، وهي “لن تتخذ قرارات متسرعة بشأن الخطوات التالية في سوريا، قبل أن يتولى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب منصبه.
تعتقد تركيا أن استعادة السيطرة على مناطق جديدة من يد الوحدات الكردية وإضعافها، قد تعزز موقفها من التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة، وترى أن تعزيز المعارضة سيؤدي إلى زيادة نفوذها في المنطقة، وإضعاف الدولة السورية في المناطق التي تجتاحها، الأمر الذي سيساعدها على “التخلص من عبء اللاجئين.”
يتوافق هجوم الفصائل مع مصالح تركيا والولايات المتحدة و “إسرائيل”، لكن قد لا يؤدي إلى النتائج التي يريدها كل طرف. أما طهران فهي ممتعضة من قطع طرق حلب بمحيطها، ولوّحت بأنها ستستخدم كل الوسائل” للحفاظ على وجودها، بعد أن تمكنت فصائل المعارضة من وضع يدها على أرجاء حلب كافة”.
الهجوم الصدمة فاجأ إيران وروسيا، الطائرات من دون طيار “هوك” التي تستعملها الفصائل على رأسها “هيئة تحرير الشام”، أما الكرد غرب الفرات فهم الخاسر الأكبر.
روسيا، لا تستخدم في سوريا إلا الحد الأدنى من قدرتها العسكرية، وإذا قررت التصعيد قد تنقل قواتها من أفريقيا إلى سوريا. فهي لا تستطيع المخاطرة بهزيمة في سوريا.
إيران ترى أن انسحابها من سوريا سيجعل الحرب أقرب إلى حدودها البرية. إن جلب إيران المزيد من المستشارين العسكريين للحرس الثوري، وكذلك قوات “الحشد الشعبي” من العراق إلى سوريا، وجنود إيرانيين إذا طلبت دمشق، حيث يمكنها من استعمال التحشيد، كورقة مساومة رادعة في الاجتماع الثلاثي الذي سيعقد في الدوحة يومي 6 و7 كانون الأول/ديسمبر بمشاركة تركيا وروسيا. الهجمات على الوجود الإيراني المتزايد يمكن أن تزيد من خطر الصراع المباشر مع الولايات المتحدة و “إسرائيل”.
الولايات المتحدة حذرت رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من التدخل، لكن اللاعبين السياسيين في بغداد يرون أن التخلي عن سوريا يمهد الطريق لـ”هيئة تحرير الشام” بتوسيع منطقة هيمنتها، كذلك إمكانية إحياء تنظيم “داعش” في المثلث السني في العراق. لذلك، لا يستطيع السوداني منع الحشد الشعبي من التحرك.
الدول العربية، على عكس عام 2011 لا تريد انهيار الدولة في سوريا. وهي ترى أن “هيئة تحرير الشام” سلفية جهادية، ولهذا السبب فإن الرسالة الموجهة من العرب إلى الولايات المتحدة خطيرة للغاية: “هذه التطورات قد تحوّل سوريا إلى الصومال”.
ومع وجود “قوات سوريا الديمقراطية” في شرق الفرات و”هيئة تحرير الشام” في غرب الفرات، يتخذ الأميركيون نهجاً يتمثل في شل الإدارة السورية والضغط على إيران وروسيا، أما أنقرة فهي تريد تطهير مناطق سيطرة “وحدات حماية الشعب”، بدءاً من تل رفعت غرب الفرات واستمراراً بالوجود الكردي في حلب ومنبج.
وهو الهدف الأكثر أهمية على الرغم من أن “هيئة تحرير الشام” تعدّ حزب “الاتحاد الديمقراطي” و”وحدات حماية الشعب” و”حزب العمال الكردستاني”، “مقربين من الحكومة السورية إلا أنها تختلف عن الجيش الوطني السوري”، إذ تعدها “منظمات وطنية”. تبدو أجندتها في العلاقة مع الكرد غير مرتبطة بتركيا. المحاور الرئيسي مع “قوات سوريا الديمقراطية” هو “هيئة تحرير الشام”.
تركيا والفصائل لا يريدون إهدار طاقتهم من خلال خوض حرب مع الكرد في حلب، وجذب رد فعل الولايات المتحدة وهذا يشير إلى اتفاق مؤقت. لكنهم لا يعتزمون الاحتفاظ بهذا المكان كهيكل مستقل عن إدارة حلب.لا تريد الولايات المتحدة من “قوات سوريا الديمقراطية” إرسال قوات أو أسلحة من شرق الفرات إلى غربه. إذا تصرفت “هيئة تحرير الشام” في غرب الفرات وفي الشرق وفقاً لتفضيلات الأميركيين، فستكون العملية كاملة بالنسبة إلى واشنطن.
وعدت الولايات المتحدة تركيا بسحب “وحدات حماية الشعب” و”قوات سوريا الديمقراطية” من منبج. قد يظهر ضوء أحمر أميركي إذا تقدمت تركيا نحو شرق الفرات، عندها سيكون هناك صراع تركي- أميركي، لكن يبدو أنه جرى تحديث خطة قديمة شرق الفرات: وهي الإغلاق الكامل لخط الحدود السورية- العراقية.
هل يمكن للولايات المتحدة أن تحرك قوات سوريا الديمقراطية نحو البوكمال؟
تريد الولايات المتحدة إغلاق بوابة البوكمال أمام الشحنات المرتبطة بإيران من أجل جعل الإدارة السورية عاجزة وتأمين “إسرائيل”. وفي حال تقدمت “قوات سوريا الديمقراطية” على خط الميادين – البوكمال، سيتحرك المسلحون في التنف في المثلث الأردني- السوري- العراقي والميليشيات المدعومة أميركياً باتجاه الخط الحدودي شمالاً. و يتم إغلاق خط الإمداد لحزب الله .
وضع العلم التركي في قلعة حلب، الجولاني يريد الفوز في هذه الحرب باعتباره “رجل دولة” تستقر حكومة الإنقاذ التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” في المباني العامة في حلب وتقيم حواجز لها وتستولي على السلطة.