الحوثيون مواطئ لأقدام النظام الإيراني
كتب د. محمد علي السقاف في “الشرق الاوسط”: في مواضيع نادرة، يجمع العالم… دوله ومنظماته العالمية مثل الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي على إدانة الهجمات الأخيرة للحوثيين على أبوظبي والمتواصلة على مناطق عدة في المملكة العربية السعودية، باستثناء طرف واحد التزم الصمت المطبق ولم يدن تلك الأحداث وهو إيران، وبذلك تتكشف مرة تلو الأخرى العلاقة العضوية بين إيران والحركة الحوثية.
تلك العلاقة بين الطرفين تتجاوز في روابطها وأهدافها العلاقة التي تربط إيران بـ«حزب الله» وبعض المكونات العراقية، وتفسير هذه الخصوصية والعناية الفائقة التي توليها إيران للحركة الحوثية عن غيرها من أدواتها، يعود إلى عوامل الجغرافيا، والديموغرافيا، وطبيعة أطراف الأزمة اليمنية، ونوعية علاقاتها بالقوى الكبرى العالمية.
جغرافياً، موقع اليمن الاستراتيجي الذي يطل على باب المندب وبحر العرب والمحيط الهندي، وملاصقته دولاً نفطية رئيسية لديها حجم احتياطي ومستوى إنتاج من النفط والغاز يجعلها تحتل مركزاً ريادياً على المستوى العالمي يهم اقتصادات الدول الصناعية المتقدمة، وكان بسبب ذلك عند احتلال وضم الكويت في التسعينات من قبل صدام حسين، تدخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها ضده رغم قرارها بعد حرب فيتنام، بعدم القيام بأي عمليات عسكرية خارج نطاق حديقتها الخلفية في الأميركتين اللاتينية والوسطى.
دعم إيران اللامحدود لأنصار الله الحوثيين ينطلق أيضاً من قناعتها بأن الحركة قد تسهم بإعطاء إيران موقع قدم للسيطرة المباشرة أو غير المباشرة على باب المندب، وبذلك مع سيطرتها على مضيق هرمز تستطيع امتلاك كماشة تتحكم من خلالها في أهم الممرات المائية لتجارة النفط نحو العالم الخارجي والملاحة العالمية، وتهدد بهما أمن البحر الأحمر، واعتمادها على الحوثيين في هذا المخطط يعود إلى قناعتها بأن الحوثيين سيكون لهم في أي تسوية سياسية قادمة للأزمة اليمنية مكان في الدولة اليمنية.
اهتمام إيران بالحركة الحوثية يعود إلى الثقل الديمغرافي لسكان اليمن كمخزون بشري كبير والتحدي من دون مبالاة للخسائر البشرية، كما كانت تتبعها إيران نفسها بالزج بأفواج بشرية طلباً لـ {الشهادة} في أثناء حربها ضد العراق، أضف إلى ذلك أن مستوى الأمية العامة السائدة لدى المواطنين في صنعاء يجعل من السهل تعبئتهم وتجنيدهم لتحقيق أهدافهم السياسية، واستخدامهم وقود حرب ضد خصوم الحركة، وكان من الملاحظ على المستوى السياسي أن الآلاف كانوا يخرجون للهتاف بحياة صالح، ولاحقاً الجماهير ذاتها خرجت تهتف من أجل «أنصار الله» رغم البؤس والدمار اللذين سببتهما لهم خياراتهما السياسية، ما يجعل المرء تحضره هنا المقاربة والمفارقة بين خروج جماهير الشعب السوداني بسبب وعيها ومستوى ثقافتها، وموقف الجماهير اليمنية في صنعاء عند انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، وقد تكون الجماهير معذورة في ذلك بسبب منهجية نظام صالح في إدامة أميتها، ولكن ما هو مستغرب له أن النخبة السياسية وكذلك الأحزاب السياسية هادنت ووقفت متواطئة مع انقلاب الحوثيين على السلطة.
لا شك أن أطراف الأزمة في اليمن ممثلة بالمملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي ومعها الإمارات العربية المتحدة، هذا الثنائي بحكم علاقاتهما السياسية والاقتصادية بالقوى الكبرى العالمية من الدول الغربية ودول المعسكر الآخر مثل روسيا والصين، هما أطراف في الملف النووي الإيراني، يطرح التساؤل عن المواقف التي ستتبناها إزاء تصعيد التوتر في اليمن والمنطقة، هل ستعطي الأولوية للملف النووي الإيراني وعدم اتخاذ موقف حاسم ضد إيران قد ينعكس سلباً على مسار التفاوض في فيينا، أم تكتفي كالمعتاد بالتصويت بالإجماع (ما عدا حالات استثنائية) على قرارات وبيانات مجلس الأمن الدولي، حين تطرح الأزمة اليمنية بأبعادها الإقليمية للتداول بشأنها في إطار المجلس؟
وعلى صعيد الملف الإيراني النووي ومسار فيينا من المحتمل والمتوقع أن دول 5 + 1 ستحافظ على المسارين الأول والثاني، بمعنى أنها جميعاً ستدين في مجلس الأمن التصعيد الحوثي الأخير، وستتغافل عن حقيقة أن الحوثيين لم يكن بمقدورهم توجيه ضرباتهم بهذه الدقة في آن واحد ضد المملكة العربية السعودية ومؤخراً ضد الإمارات العربية المتحدة، إذا لم يحصلوا على الدعم اللوجستي من إيران والضوء الأخضر منها في اختيار التوقيت.
فأي انتقاد وإدانة للإيرانيين معناه أنهم يريدون تحميلها مسؤولية الاستفزازات الحوثية، وتصر إيران على الفصل بين موضوع الملف النووي الذي يبحث في فيينا، والملف الآخر بشأن التدخلات الإيرانية في المنطقة وبرامجها الصاروخية.
من هنا كان الهجوم الأول للحوثيين، قبل أسابيع قليلة، الذي استهدف مخزناً للوقود بالقرب من مطار أبوظبي، أودى بحياة ثلاثة أشخاص، ورد عليه التحالف العسكري بسلسلة غارات جوية، وقام الحوثيون في غضون أسبوع بهجوم ثانٍ في يوم الاثنين 24 يناير (كانون الثاني) بإطلاق صاروخين باليستيين تم إسقاطهما فوق أبوظبي.
وأشار بعض المراقبين إلى أن الهجمات الحوثية بالمسيرات والصواريخ الحوثية تحددها إيران وليس للحوثيين دور غير تنفيذ توجيهات وتعليمات إيران.
وبموازاة هجوم الحوثيين على الإمارات، اعترضت الدفاعات السعودية ودمرت صاروخاً باليستياً أطلق باتجاه ظهران الجنوب. وأعلن التحالف تدمير منصة إطلاق الصواريخ الباليستية بمحافظة الجوف اليمنية، التي استخدمت في عملية الإطلاق، ويأتي هذا بعد يوم واحد فقط على استهداف الحوثيين للمنطقة الصناعية بأحد المسارحة بجازان، وإصابة مقيمين هندي وسوداني.
وحذرت السعودية من أن الهجمات المتكررة التي تقوم بها الميليشيات الحوثية على المملكة والإمارات، تعد تحدياً للمجتمع الدولي، وتهديداً لأمن المنطقة واستقرارها، ما يدعو إلى الحاجة الملحة لتحرك المجتمع الدولي، لا سيما مجلس الأمن الدولي، لوضع حد لهذا السلوك العدواني، بما يحفظ الأمن والسلم الدوليين.
وقد أدانت العديد من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، هذه الهجمات، وعبرت عن تضامنها مع كل من السعودية والإمارات، مشددة على وقوفها معهما في وجه كل من يهدد أمنهما وأمن شعبيهما.
وكذلك اليمن، فقد أدانت وزارة الخارجية استمرار ميليشيا الحوثي بإطلاق الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة المفخخة باتجاه السعودية والإمارات، مؤكدة أن هذه الهجمات الإرهابية تدل على مدى استخفافها بالمجتمع الدولي، وتهديد أمن واستقرار المنطقة. وطالبت المجتمع الدولي بالقيام بمسؤولياته وتصنيف الميليشيات جماعة إرهابية منظمة، وذلك لتحقيق عودة الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة.
وفي الخلاصة، من الواضح أن الحركة الحوثية كأداة بيد إيران تتغافل أو بالأصح لا تعنيها أضرار الهجمات بل تسعى لمزيد من التصعيد تنفيذا للأوامر الإيرانية.