محمد حسن الساعدي – خاص, “رأي سياسي”:
بالعودة الى التسعينات من القرن الماضي سعى النظام السابق الى إدخال عنصر التغيير على كافة المؤسسات في هدف يحمل محاولة تغيير المناهج لتلك المؤسسات ومحاولة اختراقها بما يحقق السيطرة عليها،ومن هذه المؤسسات هي الحوزة العلمية في النجف الاشرف، والتي يمتد عمرها الى اكثر من الف عام،حملت بين مدارسها اعمق مراحل التجدد الفكري لأهل البيت(عليهم السلام) وكانت محطة مهمة من محطات الاشعاع الفكري والحضاري الذي خرج لنا من خيرة المراجع العظام والعلماء والادباء والمفكرين وحملة العلم والفكر، وكانت حوزة النجف الاشرف من أكبر وأعمق المدارس الدينية في العالم.
كانت الحوزة العلمية في النجف الاشرف الحصة الاكبر من الحملة الايمانية الصدامية،من خلال إدخال عناصر المخابرات والامن وفدائيي صدام وغيرهم من البعثية لغرض الدخول وتشويه الصورة البيضوية لهذه الحوزة،والدخول الى دهاليزها لمعرفة أعمدة الفكر ومساند العلم الذين تعتمد الحوزة العلمية على أقلامهم وبحوثهم ودروسهم الفكرية التي يلقونها في الدرس بكافة درجاته،حيث أستطاعت هذه الحملة من إختراق الحوزة وصناعة عمائم وتقديم الدعم المالي لها، وإتاحة كل الامكانيات اللازمة من أجل تشتيت مبانيها الفقهية والخلاص من اعمدتها الفكرية.
بدأت الحملة الايمانية حملتها بقتل العلماء وبدأت بالشيخ الغروي(قدس) وبعدها نالت من الشيخ مرتضى البروجردي(قدس) واللذان يعدان من اعمدة الحوزة العلمية وأساتذتها الكبار،كما قامت بحملات مماثلة من أجل ضرب المراجع الآخرين كالفقيد الكبير السيد محمد سعيد الحكيم(قدس) والشيخ بشير النجفي(دام ظله) وآخرها محاولة أغتيال المرجع الديني الاعلى السيد علي الحسيني السيستاني(دام حفظه)،وفي نفس السياق بدأت عمائم الحملة الايمانية الدخول الى المدارس وتوسيع درسها ونشر فتاوى تحريضية ضد المراجع الكبار والعلماء والمحققين والمفكرين من أجل إفراغ الحوزة العلمية من هؤلاء العظماء ووصل الحال بالتهديد بإنهاء الاقامة ومغدرة العراق نهائياً،وبدأت تظهر “آية الله” والمرجع الديني الاعلى للطائفة وولي امر المسلمين وبطريقة مضحكة بعيدة عن معايير التقييم العلمي والتي تستند على مساند الفقه والتقييم العلمي للاستاذ،حتى بدأنا نسمع ونرى الكثير ممن ادعى حصوله على الاجتهاد بتقييم نفسه لنفسه وهذا الامر فيه مخالفة أخلاقية وفقهية،ما جعل الحوزة العلمية يرسو على معالمها التقليدية والكلاسيكية أسماء لم نسمع بها او نراها في مراتب العلم ومستويات الاجتهاد.
بعد عام 2003 ظل أصحاب العمائم يعتاشون على التسكع بين أزقة النجف الاشرف،إذ رفضهم الدرس الفقهي تقييماً وأبعاداً عن قدسيته، فلجأ الكثيرون منهم الى أبواب السياسيين ليكونوا مرتزقة الدينار والدرهم، وليعبروا أسوء تعبير عن نواياهم التي كانت وما زالت تحمل هدف ضرب الدين والتشيع من الداخل، وهذا فعلاً ما نشهده اليوم من عمائم الكثير منها كانت من ثمار الحملة الايمانية واليوم هي ناطقة باسم هذه الاحزاب والتيارات وتعتاش على تقديس الاشخاص وصناعة صنم كبير لها تنظر له على انه الاله لها،وتحتمي به من الملاحقة والاتهام بانه جزء من الحملة الايمانية الصدامية.
بالرغم من كل المحاولات السابقة والحالية في إضعاف الحوزة العلمية،اودورها العلمي والفكري الرصين،الا إنها ما زالت حوزة واحدة تمثل العمق الفكري لمذهب أهل البيت(ع)،وان محاولات تقسيمها على أسس شخصية باءت بالفشل،خصوصاً وأن العلم وتحصيله يحتاج الى توفيقات إلهية ينبغي ان تتوفر في طالبه،وخير مثال ما نجده اليوم من نتاج فكري وعلمي وفقهي تزخر به الحوزة العلمية،وتخرج عشرات الفقهاء والعلماء والمجتهدين بشهادة أساتذتهم، ليكونوا سندا لها في نشر علوم اهل البيت(ع) ويعملوا بصمت على ان تكون الحوزة العلمية في النجف الاشرف قبلة العالم في الدرس العلمي وفق مبنى وقاعدة حديث النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) انا “مدينة العلم وعلي بابها”.