
حسين زلغوط, خاص- “رأي سياسي”:
لطالما شكلت المؤتمرات الدولية على مر السنوات الأخيرة مناسبة هامة للتواصل بين لبنان والمجتمع الدولي، وكانت مفتاحاً لتدفق الدعم الاقتصادي والانساني الى لبنان في مراحل حرجة.
من أبرز تلك المؤتمرات لا الحصر “مؤتمر سيدر” في عام 2018، الذي حصل فيه لبنان على وعود بقروض ميسرة ومنح بلغت قيمتها 11.5 مليار دولار لدعم إعادة تأهيل البنية التحتية ومشاريع التنمية والاصلاحات.
كما شهد “مؤتمر باريس 3” في عام 2007، تعهدات بمساعدات بلغت أكثر من 7.6 مليارات دولار لدعم الاقتصاد اللبناني، منها هبات وقروض ميسرة من السعودية، أوروبا، البنك الدولي، والولايات المتحدة. مثل هذه المؤتمرات لم تكن مجرد أحداث عابرة، بل كانت مفتاحاً لتدفق الدعم الاقتصادي والانساني، حينها، كانت العوامل السياسية والقيادية من الركائز الأساسية التي ساهمت في نجاح مؤتمرات الدعم هذه. ففي تلك الفترات، كانت هناك قيادة سياسية وعلاقات إيجابية مع المجتمعين العربي والدولي لعبت دوراً حاسماً في تحفيز المانحين على تقديم الدعم.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح المجتمع الدولي أكثر حذراً في تقديم المساعدات، مطالباً بإصلاحات جادة قبل أي دعم.
وقد احتضنت العاصمة الفرنسية باريس أواخر العام الماضي مؤتمرًا دوليًا لمساعدة لبنان، دعي إليه نحو 70 بلدًا و15 منظمة دولية، ونجح في جمع نحو مليار دولار من المساعدات لتخفيف الأزمة الإنسانية في لبنان ودعم جيشه، غير ان لبنان لم يلمس ترجمة عملية لنتائج هذا المؤتمر.
ومن منطلق الإهتمام الفرنسي الدائم بالوضع في لبنان فإنه يجري الآن التحضير لمؤتمر دولي لدعم إعادة إعمار لبنان، ويجري قصر الإليزيه عملية تنسيق مع المملكة العربية السعودية كونها ودول خليجية ستكون من بين الدول المانحة التي ستعمل على تمويل مسألة إعادة الإعمار.
ومما لا شك فيه أن نجاح المؤتمر المرتقب الذي تستضيفه باريس في وقت ليس ببعيد مرهون بمدى جدية الحكومة اللبنانية في تبني سياسات إصلاحية حقيقية، وليس فقط تقديم وعود لا تنفذ كما كان الحال في السابق، خصوصًا في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والمعيشية.
وتأتي أهمية مثل هذه المؤتمرات بأنها تعزز الثقة الدولية بلبنان، وتحفز المجتمع الدولي على تقديم المساعدات الضرورية، غير أن نجاحها في الوقت الحالي يعتمد بصورة كبيرة على قدرة لبنان على الإلتزام بالإصلاحات السياسية والإقتصادية الضرورية، والتي لطالما كانت حجر عثرة أمام تنفيذ التعهدات الدولية وبنود المؤتمرات الدولية السابقة، ويبدو ان الحكومة “السلامية” جادة الى ابعد الحدود في تحقيق رزمة الإصلاحات المطلوبة، حيث يتوقع ان تحيل الى مجلس النواب عددًا من مشاريع القوانين التي تقرها والتي هي في صلب الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي، مراهنة على ان مجلس النواب سيتجاوب الى حد كبير من خلال الإكثار من عقد الجلسات التشريعية للمصادقة على مشاريع قوانين الحكومة لا سيما منها الاقتصادية والمالية والتنموية.
وفي هذا السياق التقى رئيس مجلس الوزراء نواف امس في السراي المستشار الاقتصادي للمبعوث الرئيس الفرنسي الى لبنان جاك دو لا جوجيه على راس وفد وتناول البحث التحضيرات لهذا المؤتمر.
يذكر أن احتياجات لبنان لإعادة الإعمار والتعافي في أعقاب الحرب الأخيرة تبلغ حوالي 11 مليار دولار أمريكي، وفقًا لتقرير التقييم السريع للبنك الدولي للأضرار والاحتياجات لعام 2025.