الحكومة تقدّم «جهنم ضرائبي» دون إصلاحات… ومزيداً من الإفقار
كتب كمال ذبيان لصحيفة “الديار” :
لم تتمكن الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي، من ان تعطي املاً للبنانيين، بان الازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية، وُضعت على سكة الحل، وانهم سيدخلون مرحلة التعافي الاقتصادي كما بشّرهم رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي طمأنهم بان نهاية عهده ستكون خروجهم من النفق، ولم يبق منه، سوى تسعة اشهر، في وقت تتحدث التقارير الدولية، ان المدة المتوقعة لخروج لبنان من ازمته، وهي الاخطر بين ثلاث دول في العالم، هي نحو 19 عاماً كحد اقصى و12 كحد ادنى، حيث لم يشهد اللبنانيون مثيلا لها سوى في منتصف القرن الثامن عشر.
فعدم الثقة بحكومة «معاً للانقاذ» يترسخ عند اللبنانيين، بعد ان اعلنت وزارة المال عن موازنة 2022، وبدأ مجلس الوزراء الذي عاد للانعقاد لمناقشتها هي فقط، بعد تلعيق اعماله لثلاثة اشهر، لخلاف حول «قبع» المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، اذ دلت ارقام الموازنة انها للايرادات فقط لتمويل الدولة، وفق اراء عدد من الخبراء الماليين والاقتصاديين، الذين قرأوا فيها، زيادة رسوم وضرائب، فقط لا غير، تزيد من اعباء المواطنين، لا سيما الفقراء منهم الذين بلغوا نحو 85% من المجتمع اللبناني، منذ نحو عامين، وهي نسبة الى ازديار، ولا تبشر الموازنة بأن الوضع يتجه نحو الاصلاح المطلوب داخلياً وخارجياً.
لذلك، فان ما ينتظر اللبنانيين، هو المزيد من الافقار، بعد ان رفعت الحكومة كل الدعم عن المواد الاساسية كالمحروقات والادوية والطحين ومواد اخرى، وهي مع الرسوم والضرائب غير المباشرة، ستطال الفقراء وذوي الدخل المحدود والمتوسط، والذين تفرض عليهم الحكومة عدم دفع الرسوم والضرائب، لانهم ليس لديهم القدرة المالية، ولا الدخل الذي يمكنهم من تسديد ما هو متوجب عليهم، في ظل الكلام المؤكد عن رفع الرسوم على اشتراكات المياه والكهرباء والاتصالات، وعلى الطوابع، اضافة الى رفع الدولار الجمركي وفق سعر منصة «صيرفة»، بحيث سترتفع معه الاسعار دون استثناء، وهو ما لا يبشر بالخير، يقول خبير اقتصادي.
ويشير الخبير الى ان الانكماش الاقتصادي سيزداد، ويرتفع التضخم، وستزيد الاعباء اكثر على المواطنين، الذين سيدخلون في «جهنم ضرائبي»، بعد ان كانت الوعود منذ سنوات، بتحويل لبنان الى «جنة ضرائبية» لجذب الاستثمارات، كما في حالات حصلت في عدد من الدول كدبي وماليزيا وغيرهما، وهو ما كان يطمح اليه الرئيس رفيق الحريري، الذي وقع هو ايضا تحت ضغط فرض الرسوم والضرائب، فصنف لبنان الاغلى بين دول العالم وما زال، وفق اخر احصاء، مما اضطر اللبنانيين الى السفر خارج لبنان، في سياحة، فانتقل حوالى نصف مليون لبناني عام 2019 الى دول مجاورة كتركيا وقبرص ومصر، وصرفوا نحو 3 مليار دولار، قبل حصول الازمة.
فهذه الحكومة التي تحاول تمرير الوقت حتى الانتخابات النيابية المقبلة في 15 ايار، والمطلوبة دولياً، والتي يؤكد على حصولها اكثر من مرجع رسمي لبناني، فان اي عمل اصلاحي لم تقم به، كمثل اتخاذ اجراء نوعي بالغاء مؤسسات ومصالح وادارات، نشأت في ظروف معينة، ولم يعد لها من ضرورة، وكان يجري دائماً تعدادها، كما لم تعمد الحكومة الى ترشيق القطاع العام الذي كان يستنزف 47% من الموازنة لنحو اكثر من 300 الف موظف، تم حشرهم في المؤسسات عملا بالزبائنية السياسية، وتوزيع المغانم، اضافة الى ما يحصل عليه موظفون في قطاعات متفرقة من حوافز، وقف عندها موفدون من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث طُلب ان يبدأ الاصلاح من القطاع العام، اضافة الى موضوع الكهرباء الذي حمّل الخزينة اعباء 40 مليار دولار، ولا كهرباء، التي ما زال الخلاف قائماً حول اصلاح هذه المؤسسة، والذي يتأخر منذ سنوات ليتقدم وكلاء بواخر توليد الكهرباء، الى تجار الفيول، ثم المولدات في المدن والقرى على كل مساحة لبنان وفي غالبيتهم من اتباع احزاب وسياسيين وقوى الامر الواقع.
اما خدمة الدين والتي بلغت نحو 7 مليار دولار سنويا وفق التقديرات، فان الحكومة السابقة امتنعت عن تسديد «اليوروبوندز»، حيث يشار الى انه من احد اسباب التدهور النقدي، الذي افقد العالم ثقته بلبنان، لكن الازمة سابقة ما اتخذته حكومة حسان دياب، يقول وزير سابق في تلك الحكومة، التي تشكلت ولبنان في الازمة، وهي متراكمة وليست ببنت ساعتها، وهي تعود الى مرحلة التسعينات، حيث انعقد مؤتمر اصدقاء لبنان في واشنطن لمساعدته الخروج من ازمته المالية، وكان دعا اليه الرئيس رفيق الحريري، نهاية عام 1997، وانعقدت بعده مؤتمرات، ولم تحل الازمة التي سببها الفساد والنهب والسرقة وهدر الاموال.
وشعارات من تولوا الحكم كمثل «من حضر السوق يشتري ويبيع»، او «املك دفترين»، او «شو سعرو»، او «مرقلي تامرقلك»، حيث كانت الموازنات تمر في مجلس النواب، بضربة مطرقة من رئيسه نبيه بري بعبارة «صُدق»، دون ان يسمع لنواب المعارضة الذين لم يزد عددهم عن عدد اصابع اليد كالرؤساء سليم الحص وحسين الحسيني وعمر كرامي والنواب زاهر الخطيب ونجاح واكيم ونسيب لحود، واحيانا بطرس حرب، فكان الرئيس رفيق الحريري يخرج من القاعة عندما يبدأ واحدا منهم بالكلام، مستهزئاً، لا سيما مناقشة الموازنة.
فهذه الحكومة مطلوب منها دولياً موازنة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وتستجيب في بنودها لشروطه، التي لا تؤمن بدولة الرعاية الاجتماعية، وان ما قدمته، لا يخدم الاقتصاد، ولا يخفف معاناة اللبنانيين، ولا يخفض من الفقر وهي تلقى معارضة وزراء، وكتل نيابية مشاركة فيها، مثل الوفاء للمقاومة، فهل تصمت عنها، حيث ترفض حركة «أمل» زيادة الرسوم والضرائب، ووزير المال مسمى منها؟