شؤون دولية

الحكومة الكويتية تردّ رسمياً «قانون رد الاعتبار»

ردّت الحكومة الكويتية، يوم الثلاثاء، رسمياً الاقتراح بقانون «رد الاعتبار» إلى مجلس الأمة «البرلمان»، وهو القانون الذي وافق عليه مجلس الأمة الشهر الماضي، ويسمح في حال إقراره برفع العزل السياسي عن عدد من النواب السابقين الذين صدر بحقهم عفو أميري، لكنّ حقوقهم السياسية ما زالت معلقة.

وصوّت المجلس في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي بالموافقة على القانون في القراءة الأولى بـ49 صوتاً من أصل 61، كما وافق عليه في المداولة الثانية مع إجراء بعض التعديلات بموافقة 48 عضواً، واعترضت الحكومة على القانون في القراءتين.

كان أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، قد وجّه نقداً إلى الحكومة والبرلمان في أول خطاب ألقاه بعد أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة (البرلمان) في 20 ديسمبر الماضي، متهماً الطرفين بأنهما «توافقا على الإضرار بمصالح الكويت»، وانتقد على نحو خاص «ما حصل من تغيير للهوية الكويتية وملف العفو وتداعياته والتسابق لإقرار قانون رد الاعتبار، كأنها صفقة تبادل مصالح بينهما».

رِدّة تشريعية

ورأت الحكومة في مبررات ردّها للقانون، أنه «خرج عن الأهداف المرجوّة منه، وأصبح جديراً برده إلى مجلس الأمة ليتخذ ما يراه مناسباً تجاهه على ضوء مبررات الرد».

وقالت إن هذا الاقتراح بقانون «من شأنه الإخلال بمصلحة المجتمع بتمكين المجرم الذي تم التحقق من الجريمة بموجب حكم قضائي بات من التنصل من آثار جريمته فور تنفيذ العقوبة أو مرور أشهر قليلة عليها، دون الوقوف على ما إذا كان قد عاد إلى رشده الأخلاقي والقانوني».

وأكدت أن هذا الإجراء «يمثل رِدّةً تشريعية بتقرير مساواة مطلقة؛ معيارها مجرد تنفيذ العقوبة أو مرور فترة زمنية بسيطة بين جميع المجرمين رغم اختلاف جرائمهم التي تنبئ بذاتها عن مدى خطورة كل منهم واختلاف أثر تنفيذ العقوبة أو مرور الزمن على كل منهم في شأن إصلاحه وتقويمه».

نصّ رد الحكومة الكويتية قانون «ردّ الاعتبار»

وافق مجلس الأمة بجلسته المنعقدة بتاريخ 12-12-2023 على اقتراح بقانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الصادر بالقانون رقم (17) لسنة 1960، وتضمنت التعديلات المقترحة تعديل مدد رد الاعتبار القانوني والقضائي المنصوص عليها في المادتين (245، و246) من هذا القانون، بحيث يرد اعتبار المحكوم عليه بحكم القانون بعد مضي ذات مدة العقوبة المقضي بها أو عشر سنوات، أيهما أقل أياً كانت مدة العقوبة المقضيّ بها وذلك من تاريخ تمام تنفيذ العقوبة أو صدور العفو عنها، على أن تكون المدة اللازمة لرد الاعتبار القانوني لمن سقطت عقوبته بالتقادم هي عشر سنوات، فإذا كانت العقوبة المقضيّ بها هي الغرامة، رُدَّ اعتبار المحكوم عليه بمجرد تمام تنفيذ العقوبة أو العفو عنها أو سقوطها بالتقادم. ويُردّ اعتبار محكوم عليه قضائياً من تاريخ تمام تنفيذ العقوبة أو صدور العفو عنها، وذلك بعد مضي نصف مدة العقوبة المقضي بها أو خمس سنوات، أيهما أقل، على أن تكون المدة اللازمة لرد الاعتبار القضائي لمن سقطت عقوبته بالتقادم هي خمس سنوات.

جاءت هذه التعديلات تأسيساً على مقولة إن مدد رد الاعتبار شُرعت للتثبت من حُسن سير من جَرَتْ إدانته بموجب حكم باتٍّ، حيث يُحرم المحكوم عليه من ممارسة بعض الحقوق السياسية والاجتماعية التي لا يصح أن يرتقيها من فقد اعتباره إلا بعد التحقق من استقامة سلوكه تحت رقابة القضاء أو مضيّ مدة مناسبة قانوناً، ونظراً لطول مدد رد الاعتبار في القانون، وحتى لا ينتج عن هذه المدة خلق شخصية إجرامية نتيجة قلة فرص العمل، وحيث إن العقوبة بمفهومها الحديث تهدف إلى إصلاح المحكوم عليه وجعله فرداً مساهماً في بناء الدولة، جاء الاقتراح بقانون المشار إليه بتعديل مدد رد الاعتبار لتكون وفق مدد مناسبة يُدمج بعدها المحكوم عليه في المجتمع بعد إعادة تأهيله.

ولما كان ما سبق مردوداً عليه بالآتي:

1 – أن المدد التي جاء بها الاقتراح بقانون المشار إليه -سواء لرد الاعتبار القانوني أو القضائي- ليس من شأنها تحقيق الغاية المرجوّة منه، حسب أن المشرع الكويتي عندما نظّم مسألة رد الاعتبار، فإنه نظمها تنظيماً عاماً مجرداً معبراً عن فلسفة رد الاعتبار التي تقوم من ناحية على أنه ليس من العدل أن يُحرم شخص سبقت إدانته وحُكم عليه بعقوبة سالبة للحرية من أن يتبوأ المركز اللائق بشكل صالح إذا بذل مجهوداً ليحسن سيره وسلوكه وأقام الدليل على هذا بمرور فترة معينة دون أن يرتكب جريمة جديدة، ومن ناحية أخرى ضرورة مراعاة مصلحة المجتمع التي تتمثل في تقليص ذوي السلوك المنحرف والعمل على سرعة اندماجهم في المجتمع وعدم عودتهم إلى الجريمة مرة أخرى، من خلال إعطاء المحكوم عليه فرصة ليعود عضواً صالحاً في المجتمع إذا بذل مجهوداً ليحسن سيره وسلوكه وأقام الدليل على هذا بمرور فترة معينة مناسبة دون أن يرتكب جريمة أخرى، وأن مرور فترة زمنية مناسبة بين تمام تنفيذ العقوبة وتقرير رد الاعتبار شرط جوهري ولازم سواء تَقرر رد الاعتبار بقوة القانون أو بحكم قضائي بعد التثبت في الحالة الثانية من حسن سير وسلوك المحكوم عليه حتى تَثبت جدارته برد اعتباره إليه، وبما يحقق التوازن بين مصلحة المجرم الذي تم الحكم عليه بعقوبة الحبس في أن يستعيد حقوقه المدنية التي سقطت بما جنت يداه هو وبين مصلحة المجتمع الذي يريد أن يطمئنّ إلى أنه أعاد عضواً صالحاً فيه. وعليه، فإن القول بردّ اعتبار المحكوم عليه حتماً -بحكم القانون- متى أتمَّ مدة بذات مدة العقوبة المقضيّ بها، أو عشر سنوات، أيهما أقل، أياً كانت مدة العقوبة المقضيّ بها، قد يكون من شأنه عدم ضمان تحقق النتيجة المرجوة من فكرة رد الاعتبار، حسب أن مدة العقوبة المقضيّ بها قد تكون وجيزة جداً بالنظر إلى الجريمة المرتكَبة، وذلك لاعتبارات قد تقدّرها المحكمة نظراً لظروف الواقعة، بما من شأنه الإخلال بمصلحة المجتمع بتمكين المجرم الذي جرى التحقق من الجريمة بموجب حكم قضائي بات من التنصل من آثار جريمته فور تنفيذ العقوبة أو مرور أشهر قليلة عليها، دون الوقوف على ما إذا كان قد عاد إلى رشده الأخلاقي والقانوني، الأمر الذي يمثل رِدةً تشريعية بتقرير مساواة مطلقة؛ معيارها مجرد تنفيذ العقوبة أو مرور فترة زمنية بسيطة بين المجرمين كافة رغم اختلاف جرائمهم التي تنبئ بذاتها عن مدى خطورة كل منهم واختلاف أثر تنفيذ العقوبة أو مرور الزمن على كل منهم في شأن إصلاحه وتقويمه.

كذلك الأمر بالنسبة إلى الاقتراح الخاص بتعديل مدة رد الاعتبار القضائي وجعلها أن يكون قد مضى من تاريخ تمام تنفيذ العقوبة أو صدور العفو نصف مدة العقوبة المقضيّ بها أو خمس سنوات أيهما أقل، مع اشتراط مضيّ خمس سنوات لمن سقطت عنه العقوبة بالتقادم، بغضّ النظر عمّا إذا كان هذا الفعل يشكل جنحة أو جناية، وهي مساواة غير مبرَّرة أو مفهومة، وعمَّا إذا كانت المدة التي قضاها المحكوم عليه في محبسه كافية لإصلاحه وتقويمه وتهذيبه من عدمه، والتأكد من الحيلولة بين المجرم الذي ثبتت إدانته بموجب حكم باتٍّ وبين ممارسة بعض الحقوق السياسية والاجتماعية ذات الشأن والتي لا يصح أن يرتقيها مَن فَقَدَ اعتباره إلا بعد التحقق مِن أخذه نفسه بلجام الاستقامة في السلوك تحت رقابة القضاء أو مضيّ مده مناسبة قانوناً بوصفها قرينة ترجح ذلك.

2 – أنه بالنظر إلى التشريعات المقارنة التي استندت إليها لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس الأمة عند تبينها للاقتراح بقانون المعروض، يتضح أن جميع هذه التشريعات تبنّت واعتنقت منهجاً واحداً لرد اعتبار المحكوم عليه، ألا وهو ضرورة مضيّ مدة زمنية معقولة تتناسب وتختلف مع مدة العقوبة المحكوم بها، ومع ما إذا كانت العقوبة مقررة لجناية أو لجنحة وهو ما يتفق مع فلسفة رد الاعتبار والأهداف المرجوّة منه والتي تضمن عودة اندماج المحكوم عليه مرة أخرى في نسيج المجتمع، ورغم ذلك فإن الاقتراح بقانون -الموافَق عليه- لم يعتنق ذات المنهج، وانتهج فلسفة مغايرة بتبنيه معياراً وحيداً وهو مضيّ ذات مدة العقوبة المقضيّ بها أو عشر سنوات، أيهما أقل، أياً كانت مدة العقوبة المقضيّ بها، بغضّ النظر عن الجُرم المرتكَب.

3 – أن من شأن الاقتراح بقانون الماثل حال الموافقة عليه واعتبار المدة اللازمة لرد الاعتبار القانوني لمن أتمَّ العقوبة أو صدر عفو له، هي ذات مدة العقوبة المقضيّ بها أو عشر سنوات أيهما أقل، تحقيق استفادة للمحكوم عليه الصادرة ضده أحكام بعقوبات متعددة، حسب أن نص المادة (247) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية المشار إليه قرر أن هذا المحكوم عليه لا يُردّ اعتباره قانوناً ولا قضاءً إلا إذا توافر شرط المدة اللازم لرد الاعتبار بالنسبة لجميع العقوبات المحكوم بها عليه، ومن ثم فإن تخفيض مدد رد الاعتبار على نحو ما جاء به الاقتراح بقانون قد يؤدي إلى نتيجة عكسية بالسماح له بممارسة حقوقه السياسية والاجتماعية رغم عدم ضمان اندماج مثل هذا الشخص -الذي ثبتت إدانته بموجب عدة أحكام باتّة- والتحقق من استقامة سلوكه بمضيّ المدة المناسبة قانوناً أو قضاءً بوصفها قرينة تُرجّح ذلك.

لكل ما تقدم، وحيث إن الاقتراح بقانون خرج عن الأهداف المرجوّة منه، فقد أصبح جديراً برده إلى مجلس الأمة ليتخذ ما يراه مناسباً تجاهه على ضوء مبررات الرد هذه.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى