صدى المجتمع

الحقيقة غير المبهجة لكرنفالات السود والكاريبي مثل “نوتينغ هيل”.

جاءت سنة أخرى وأقيم مهرجان نوتينغ هيل مرة أخرى. صور متألقة لرجال ونساء في أزياء مبهرجة. موسيقى حيوية، ومحتفلون راقصون، ثم التغطية الإخبارية السلبية التي لا مفر منها.

لكن هذا ليس الكرنفال الذي أعرفه. قررت هذه السنة الاحتفال بالكرنفال في أحد الأماكن التي انطلق منها هذا التقليد: في منطقة الكاريبي، إذ لا يوجد في مكان آخر تذكير أفضل بأن جذور الفعاليات السنوية مثل كرنفال نوتينغ هيل تعود إلى المقاومة السوداء، وحيث البهجة العميقة أمر اعتيادي.

كنت هناك في دعوة من مشروع “إنداستري 360” الداعم للصناعات الإبداعية الكاريبية وهيئة السياحة في غرينادا. خلال إقامتي التي استمرت أسبوعاً في الجزيرة، كان من دواعي سروري تجربة احتفال الأمة الرئيس. وجدت نفسي أشارك بالتنكر لأول مرة.

وعلى رغم أنني كنت في الجانب الآخر من العالم، فإن تجربة المشاركة في واحد من أقدم الكرنفالات في العالم جعلتني أفكر في أوجه التشابه بينه وبين كرنفال نوتينغ هيل في لندن.

حقيقة أن الحدثين يرمزان للبغض الشديد تجاه الاضطهاد العنصري تثقل على قلبي، ولا سيما كامرأة بريطانية سوداء جامايكية من أصول نيجيرية وأول مراسلة متخصصة في موضوع العرق في بريطانيا.

“جاب جاب”

كل يوم في غرينادا كانت مجموعة منا تستقل حافلة صغيرة تأخذنا من مكان إقامتنا في منتجع ساندالز لحضور الفعاليات المختلفة التي تشكل جزءاً من احتفالات سبايسماس – من كاليسبو مونارك إلى احتفال واغي تي الشامل وبريتي ماس (أود شكر فرقة نيرفانا إمباير على زيي).

لكن احتفالية جاب جاب أو “الفجر” هي التي تركت أثراً عميقاً في نفسي بشكل خاص – إنها احتفالية تنكرية تقليدية ساخرة يعود تاريخها إلى حياة مزارع العبيد في القرن الـ18 خلال أيام العبودية (كلمة “جاب” Jab مشتقة من الكلمة العامية الفرنسية “diable” التي تعني “الشيطان”، لذا فإن الشخص الذي يشارك في “جاب جاب” يأخذ دور الشيطان).

في تلك الأيام، كان الأفارقة المستعبدون ينضمون إلى هذا النشاط، بينما كان مستعبدوهم البيض يشاهدون – غافلين عن أنه تتم السخرية منهم – المستعبدين – على مرأى الجميع! إنه قصيدة عن إبداع الأجداد وقوتهم وشجاعتهم في مواجهة الخطر.

كان الموكب (وما زال) تناولاً ساخراً لـ”السيد”، إن التنكر في هيئة “الشيطان” هو سخرية من القوى التي حرمت الأسلاف السود من حريتهم لقرون.

في غرينادا الحالية، فإن كل شخص يشارك في احتفالية “جاب” هو من الناحية العملية شخص أسود تماماً للعين المجردة ويغطي جلده بالزيت. في أيام العبودية السالفة، كانوا يستخدمون دبس قصب السكر أيضاً.

هذه تورية مزدوجة، صحيح أنها ساخرة، ولكنها أيضاً استعراض موحد للسواد كما يخبرني مواطنون غريناديون.

في الوقت الحاضر، يرتدي المحتفلون أيضاً خوذات تعلوها قرون، ما يعكس أرواح المستعبدين الوحشيين، ويحملون – وليس يرتدون – أصفاداً ترمز إلى القيود التي كانت تستخدم لإخضاع الأفارقة، احتفالاً بالتحرر الذي تم الحصول عليه بشق الأنفس.

وهكذا، خرجت من حفل لموسيقى السوكا، يشترط حضوره بملابس بيضاء بالكامل، عند الساعة 4 تقريباً من صباح يوم الإثنين 14 أغسطس (آب)، رفقة طاقم كلاسيكي من المبدعين والكتاب المهاجرين لأستعد لصبيحة احتفال “الفجر”.

تماشياً مع التقاليد الغرينادية، قمنا بطلي أجسادنا بالشحم الذي كان يلمع تحت غسق الصباح الندي في تناقض صارخ مع الأزياء ناصعة البياض التي كنا نرتديها قبل ساعات. كانت هناك مفارقة لطيفة: بين الأبنوس والعاج، الأبيض والأسود.

نظرت من الشرفة في العاصمة سانت جورج، ورأيت الناس قد بدأوا بالنزول إلى الشارع في الساعات الأولى ترقباً لما سيأتي.

قلة من الناس عادت إلى منازلها قبل وقت الغداء. لقد كان صباحاً طويلاً، بخاصة بالنسبة لأولئك الذين يفتقرون إلى القدرة على التحمل!

“صرخة في النادي”

يا إلهي، كان احتفال “جاب” تحدياً بالنسبة لي. أثناء السير على إيقاعات موسيقى جاب الغرينادية، تأخرت في سيري عدة مرات، حيث أصبت بالدوار قليلاً من أشعة الشمس الساخنة التي أخذتني على حين غرة.

كان بعض الحاضرين المشاركين، بتقمص كامل للشخصيات التي تنكروا على هيئتها، يمضغون شيئاً بدا وكأنه يقطر بمواد تشبه الدم على يساري، بينما يجر آخرون نماذج على هيئة توابيت على يميني.

مواكب احتفالية جاب تسير في فعالية “اثنين الفجر” (كويرين سالاندي/ كيو ميديا لصالح إنداستري 360)

ليست هذه المسيرة لضعاف القلوب، وليس من المفترض أن تكون كذلك. من المفترض أن يكون العرض الجريء لافتاً للنظر، وحتى مستفزاً لما يسمى المجتمع المهذب. إذا تأثرت، أو شعرت بشيء من الصدمة حتى، كلما كان أفضل.

تقام احتفالات “الفجر” أيضاً ضمن كرنفال نوتينغ هيل، حيث يستيقظ الحاضرون باكراً وينزلون إلى الشوارع لإقامة أنشطة مماثلة. ثقافات منطقة الكاريبي، مثلها مثل الثقافات الأخرى، تتجاوز الحدود.

ولكن في غرينادا، الموطن السابق لمزارع العبيد، يكاد يكون إرث عبودية الرقيق ملموساً، لذلك فإن أثر احتفالية “جاب” مختلف.

ما بعد الاحتفال

عند عودتي إلى غرفتي في الفندق بعد الحدث، أغلقت الباب وجلست وحدي في صمت قبل إطلاق زفير عميق وذرف الدموع.

لماذا كنت أبكي؟ لم أكن أشعر بأدنى درجات الحزن، لكنني شعرت برابط عميق مع تجربة شيء بهذه الدرجة من الأصالة والطبيعية. هل كانت طاقة الأجداد؟ لا أستطيع الإجابة. كنت أكثر هدوءاً من المعتاد في الأيام الثلاثة التالية، إلى أن ركبت الطائرة المتوجهة إلى مطار غاتويك في لندن، حيث رحت أفكر بما شاهدته.

لم أتسرع في كتابة هذا المقال ربما لأنني شعرت بأهمية أن تتخمر التجربة في داخلي قليلاً، بينما أتصالح مع الرحلة وأتمكن من العثور على الكلمات لوصفها.

عند التفكير، اتضح لي أن احتفالية “جاب” جابهت وشوشت أحاسيسي كضيفة على هذا الجانب من ثقافة الكاريبي.

في الواقع، كان الأسى غير المألوف الذي شعرت به هو صحوتي تجاه تجسيد حي للموكب القوي والخلاب للسود – وهم في الغالب من أحفاد المستعبدين – الذين يواجهون كمنتصرين تقاليدهم الثقافية بطريقة لم أرها من قبل.

بالنسبة إليَّ كانت تجربة جديدة وجذرية. وضع الفرح والفخر الأسود في المركز. على كل حال، فإن رؤية الكاريبيين السود يتحدون انطلاقاً من الألم بدت شيئاً مألوفاً أيضاً. ففي النهاية، كان هذا شيئاً توجب على كثير منا، بدافع الضرورة المحضة، القيام به منذ، حسناً، إنهاء العبودية.

يبدو أن بعض الغرباء والمحاربين الإلكترونيين عبر “تويتر/ إكس” يسارعون في إدانة احتفالية “جاب” بكل جمالياتها غير المألوفة، لكونها نوعاً من “الشعوذة”، حيث يميلون على ما يبدو إلى اتجاه ربطها بالتقاليد الأفريقية الخبيثة على نطاق واسع، بطريقة مستقاة بشكل مباشر من تعاليم المستعمرين.

أسود خالص ومن جزر الهند الغربية

مع ذلك، فإن أولئك الذين يحتل التقليد مكانة عزيزة في قلوبهم وهم على دراية بأصوله، يقولون إنه القصيدة النهائية للثورة الحلوة والمحزنة. إنها سوداء بشكل خالص ومن جزر الهند الغربية.

قبل صعود الطائرة التي ستعيدني إلى إنجلترا، تحدثت مع زميلي الكاتب نيكولاس تايرل كوت حول كيف عززت الرحلة تصميمي على أن أكون حامية لجميع الثقافات الكاريبية – وحق شعبنا الفطري في المشاركة فيها بفخر.

لذلك، ستفهمون أن العودة إلى الوطن لرؤية السخرية الروتينية من كرنفال نوتينغ هيل في المملكة المتحدة – حيث كان من الصعب هذه المرة استساغة عرف بريطاني كاريبي أسود أسسه أشخاص رائدون في فضيحة ويندراش، بمن فيهم عمالقة من أمثال كلوديا جونز ورون لاسليت.

سرد الجريمة المتعلق بالكرنفال لا يزال صامداً، على رغم تبديد الأسطورة مراراً وتكراراً، بينما يتعرض كثير من السود البريطانيين للتشويه على أساس الارتباط.

المفهوم الخاطئ الشائع هو أنه، حيث يجتمع شخصان أو أكثر من السود، لا بد أن تحدث مشكلات – في دلالة إلى القواعد الاستعمارية القديمة التي منعت الأفارقة المستعبدين من التجمع من دون حضور سيد أبيض.

يسخر كثير من الناس، الذين هم في أحسن الأحوال غريبون عن التراث الاجتماعي الكاريبي، من العادات الثقافية المهمة التي تجري في هذا الحدث. يجب أن يلهم هذا أولئك منا المهتمين بالأمر للتحدث عن هذا الحدث الثمين وحمايته.

تدين بريطانيا بكثير للكاريبيين – انطلاقاً من الكرنفال نفسه الذي يضخ ملايين الجنيهات الاسترلينية في اقتصاد البلاد، إلى تشكيل عناصر رئيسة في البنية التحتية للبلاد مثل هيئة خدمات الصحة الوطنية.

الإيقاع والحزن

لم تسبق لي المشاركة في مهرجان أبداً، سواء في نوتينغ هيل أو جانكورو في جامايكا البلد الأصلي لعائلتي أو أي نسخ أخرى. كنت أكتفي بإبداء إعجابي بها وأنا أستمتع بها من بعيد.

لكونها كانت تجربتي الأول، فقد غيرت مشاركتي في سبايماس وجهة نظري.

ذكرني الشهر الماضي أنه على رغم تشكيل الإيقاع أساس الكرنفالات الكاريبية فإن الحزن يفعل ذلك أيضاً تماماً مثل تركيبة موسيقى “ريذم أند بلوز”.

جريمة القتل العنصرية التي لم تحل بعد وراح ضحيتها كيلسو كوكرين، وهو رجل كان في الـ32 من العمر من جزيرة أنتيغوا أثارت وفاته سنة 1959 أعمال شغب عرقية وألهمت كرنفال لندن ليكون مسألة موحدة.

وهناك أيضاً كرنفال سبايماس الذي ينبع من العبودية السوداء. اليوم: يواصل قادة الدول الـ13 التي تحكم منطقة الكاريبي الضغط على بريطانيا لدفع تعويضات عن العبودية وتقديم اعتذار، بينما يتجاهلها الغرب.

في مقابلة حصرية أجريتها معه في منزله، قال رئيس وزراء غرينادا ديكون ميتشل عن كرنفال سبايماس: “إنه تعبير جماعي عن إبداعنا. إنه أيضاً، إلى حد ما، فرصة للناس للتخلص من التوتر حتى يتمكنوا بالفعل من التحمل. يمكن أن تلقي وطأة الحياة اليومية بثقلها عليهم… لذلك فإن الكرنفال يحمل هذا الجانب أيضاً”.

تتمتع غرينادا بأعلى معدل فقر بين بلدان شرق الكاريبي – ليس من الصعب الربط بين عبودية الرق وعدم دفع تعويضات لاقتصادات الكاريبي بعد إلغاء الاسترقاق والوضع الحالي أو “الوطأة اليومية”.

بغض النظر عن الأزياء الملونة والموسيقى والنظرة الإيجابية للجسد والمرح، فإن سبايسماس وكرنفال نوتينغ هيل انطلقا استجابة للصدمة السوداء، بينما يستمر الصراع من أجل المساواة.

لقد تخلصنا من القيود – لكن ليس بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. عندما يتأخر تحقيق العدالة بالنسبة إلى الأشخاص من أصول أفريقية – كما هو الحال في قضية كيلسو كوكرين وأحفاد الأفارقة المستعبدين – إذاً يتم حرمانهم من العدالة.

في هذه الأثناء، وخلال فعاليات مثل هذه الكرنفالات، فإن موجة المقاومة تصرخ وتقول “نحن موجودون، نحن مهمون”.

لهذا السبب، بعيداً من كونها مجرد حفلات كبيرة ومتنوعة يمكن للجميع حضورها، فإن هذه الفعاليات حاسمة للغاية وتستحق أقصى درجات الاحترام.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى