الحضور الغربي ماذا وراءه ؟
كتب أسامة يماني في صحيفة عكاظ.
حرّكت واشنطن بارجاتها وسفنها وطائراتها الحربية، وتبعتها بريطانيا، وتحذو حذوهما فرنسا، كل ذلك ليس فقط لتحذير الأطراف الخارجية مثل حزب الله وإيران وغيرهما من التدخل. الموضوع أكبر بكثير من ذلك. هناك مخطط تسعى إليه واشنطن وحلفاؤها في تغيير خارطة المنطقة والاستيلاء على خيراتها وتقسيمها إلى دويلات فاشلة. لهذا حرصت واشنطن على التطبيع بين السودان وإسرائيل وهي دولة تعاني من مشاكل داخلية الأمر الذي يظهر ويكشف الهدف الأول نحو تمييع القضية الفلسطينية كخطوة إلى تقسيم المنطقة. ثم تكوين إسرائيل الكبرى. نحن لا نتكلم عن مؤامرة ومخططات سرية بل على سياسات مدروسة تقوم بها الدول الغربية للتحكم في المنطقة ومن ثم العالم. مشروع الشرق الأوسط الكبير كنا نسمع عنه في أوائل السبعينيات لكن كان ذلك على كثير صعب التصديق. إننا رأيناه حقيقة ماثلة أمامنا في الربيع العربي الذي هو صناعة الغرب للقضاء على الدولة وتفجيرها من الداخل باسم الديموقراطية التي في واقعها كانت وبالاً على ليبيا الشقيقة وغيرها من البلدان التي اكتوت بنارها وتعرّضت لسمّها الزعاف.
الواقع يثبت أن إسرائيل والغرب بشكل واضح وجلي يقومون بالانتهاكات التي تصل أغلبها لجرائم ضد الإنسانية في سبيل تحقيق مخططهم الشرق الأوسط الكبير، الذي يقوم على التهجير والتغيير الديموغرافي والفصل العنصري الذي بدأ بجرائم التطهير العرقي في الأربعينيات. واجتياح لبنان في الثمانينيات. والجدار الإسرائيلي في 2000م. وترسيم الحدود البحرية لصالح إسرائيل في 2022 مع لبنان في ظل الاضطرابات السياسية في لبنان، ويأتي الاتفاق إثر قبول لبنان بالخط 23 بدلاً من الخط 29 خلال المفاوضات التي لم تكن في ظل حكومة شرعية في لبنان. ولا ننسى ضم إسرائيل للجولان خلافاً للقانون الدولي.
إسرائيل تشكل خطراً وجودياً؛ لأنها الأداة التي زرعها الغرب في المنطقة. ولا شك إن الوقوف في وجه هذه الأداة يتطلب موقفاً سياسياً صلباً من كافة الدول العربية ودول المنطقة وعلى كل المحافل العالمية وتشكيل تحالف دولي.
هذا الخطر لا يقتصر على العالم العربي بل يتعداه إلى كافة دول العالم التي تقف مكتوفة الأيدي ضد هذه الجرائم والانتهاكات التي ترعاها واشنطن وحلفاؤها وتشارك فيها. لقد استطاعت السعودية أن تفشل مخطط الغرب في البحرين، وكذلك مخطط الغرب في تقسيم مصر بالتعاون والتنسيق مع الأشقاء. يجب أن يقال لواشنطن وحلفائها كفى معايير مزدوجة، وكفى دعماً غير محدود للاحتلال، وكفى تعطيل القرارات الدولية. لقد خلطت واشنطن الأوراق في المنطقة من أجل التشويش على القضية الأساسية التي تسعى لها وهي تقسيم المنطقة وقيام الشرق الأوسط الكبير وإسرائيل من الفرات للنيل. إن العدو الحقيقي لكل هذه المخططات هو السلام والتنمية. لذا فقد أزعج واشنطن إعادة العلاقات مع إيران، كما أزعجها سعي الدول العربية الصادق نحو التنمية ووضعت الكثير من العراقيل في طريقها، والأحداث التي حدثت وتحدث كلها دليل صارخ على ما وراء الحضور الغربي في المنطقة.
المنطقة العربية والعالم الإسلامي مطالبون بالعمل المشترك والضغط على الغرب وواشنطن بكل الطرق المتاحة، والتنسيق ما بينهم ضد خطط الكيان والالتزام على الأدنى من التفاهمات فيما بينهم لوقف المخططات وما وراء حضور الغرب للمنطقة. كما يجب تحميل الأمم المتحدة وهيئاتها مسؤولية وقف الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية والغربية في حق الشعب الفلسطيني، وعدم قبول المبررات الغربية البغيضة وحليفتها الإسرائيلية ورفض استمرار الاحتلال وعدم تطبيق قرارات الأمم المتحدة.
ما وراء حضور الغرب وواشنطن للمنطقة في حقيقته تأكيد على التزامهم بتنفيذ خططهم على أرض الواقع لمشروعهم الشرق الأوسط الكبير الذي يسعون بكل الطرق لتنفيذه، كما يسعون إلى إعاقة كل المساعي الطيبة لإنهاء حقيقي لمشكلة الاحتلال وما ينجم عنها من مآسٍ لكافة الأطراف. باختصار الغرب هو الذي يسعى إلى تقويض أمن المنطقة بشتى الطرق والوسائل، ولا يرغب في سلام حقيقي وتنمية وازدهار للمنطقة.