الحسابات الشخصية والحسابات الوطنية في لبنان
كتب د.ناصر زيدان في الأنباء الكويتية
إبان أسوأ وضع يعيشه لبنان، تبرز على الساحة السياسية حسابات شخصية قد تؤدي إلى استكمال تدمير المؤسسات الوطنية المتبقية، بعد أن طال الانهيار غالبية القطاعات والمواقع، بدءا من موقع رئاسة الجمهورية الشاغر منذ أكثر من عام، مرورا بحكومة تصريف أعمال شبه معطلة ومجلس نواب مشلول، وصولا إلى حالة الإنهاك التي تصيب قطاعات الاقتصاد ومرافق الخدمات المختلفة، خصوصا الاستشفاء والتعليم، بينما مالية الدولة تكبو تحت وطأة التضخم وانهيار قيمة الليرة.وبينما تقتضي الظروف المخيفة التي ترافق الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على غزة وعلى جنوب لبنان شيئا من التضامن الداخلي، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على أي اعتبار آخر، تحاول بعض القيادات السياسية الاستفادة من الاستحقاقات المرتبطة بالمهل الزمنية لفرض إرادتها على الساحة المنهكة، أو للتشفي من شخصيات تخاف من تأثيراتها المستقبلية إذا ما وصلت لمواقع مهمة، وتحديدا من قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي سيحال إلى التقاعد مطلع السنة القادمة، ورئيس الأركان الذي يسمح قانون الدفاع له وحده تولي مهام القائد بالوكالة، غير موجود، والمركز شاغر منذ أكتوبر.
هناك شبه إجماع عند الرأي العام اللبناني، ومعه غالبية القيادات الحزبية والمرجعيات الروحية، على ضرورة إبقاء قائد الجيش على رأس المؤسسة التي تحفظ البلاد في هذا الزمن الصعب، نظرا لما يتمتع به العماد عون من مصداقية وكفاءة واحتراف، بصرف النظر عن كونه المرشح الأبرز لموقع رئاسة الجمهورية، لأن المصلحة العليا للدولة بحاجة له، ويمكن تمديد مهامه لمدة سنة ريثما ينجلي غبار المعركة القائمة، عن طريق تأجيل تسريحه بقرار من مجلس الوزراء، أو بطلب إداري من وزير الدفاع، أو من خلال إقرار قانون تمديد سن التقاعد لمن في رتبته العسكرية لمدة سنة كاملة كما ينص اقتراح كتلة الجمهورية القوية النيابية التي تقودها القوات اللبنانية، أو من خلال إقرار اقتراح تقدمت به كتلة اللقاء الديموقراطي النيابي التي يقودها الحزب التقدمي الاشتراكي، ويتضمن تمديد سنتين لكل قادة الأجهزة العسكرية والأمنية، لكي يستفيد مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان أيضا، وهو سيتقاعد في شهر مارس القادم.تتعاطى بعض الشخصيات السياسية باستهتار لا مثيل له، مع مواضيع في غاية الخطورة، وهي تبذل جهود مضنية واستثنائية لكي لا يتم التمديد لقائد الجيش، وتستثمر العلاقات مع حلفائها، أو مع الذين يتجنبون أي اختلافات داخلية في الوقت العصيب الراهن لهذه الغاية. ومضمون بيان النفي الذي صدر عن مكتب الرئيس السابق ميشال عون لكلامه عن قائد الجيش، يؤكد ضلوعه في الضغط من أجل عدم التمديد له، وهو لم ينكر رغبته بإنهاء مهام العماد عون في الموقع عندما يأتي تاريخ تقاعده، كما يؤكد وقوفه شخصيا وراء إصرار وزير الدفاع على موقفه في تعطيل عملية تأجيل تسريح رئيس الأركان وقائد الجيش وأعضاء المجلس العسكري. ونقل متابعون يعرفون تفاصيل ما يجري، بأن الرئيس عون طلب شخصيا من قيادة حزب الله عدم البت بالتمديد للعماد عون في جلسة الحكومة التي انعقدت الخميس الماضي، وهو ما حصل بالفعل، وتأخر وزراء الحزب عن حضور الجلسة إلى حين تلقوا تطمينات من الرئيس نجيب ميقاتي بأن الموضوع لن يطرح بالجلسة.