حسين زلغوط
خاص: رأي سياسي
يبدو ان المؤشرات التي تسبق وصول المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان الى لبنان ليست مشجعة في امكانية احداث خرق في جدار الازمة الرئاسية، لا بل ان كل الوقائع التي تسجل يوميا تدل على ان لبنان ذاهب من فراغ الى فراغ ، ان كان ذلك على مستوى رئاسة الجمهورية، او حاكمية مصرف لبنان، او القيادات الامنية والعسكرية ، والمخيف في ذلك ان الفراغ المتشعب هذا هو من دون أفق، بمعنى ان الامور مفتوحة على كل الاحتمالات طالما ان المواقف السياسية ما تزال على حالها منذ اكثر من تسعة اشهر ، وطالما ان المسارات الخارجية الخاصة بالملف اللبناني لم تستطع الى الآن التأثير على المسار الداخلي في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، على عكس ما كان يحدث في السابق في استحقاقات مماثلة حيث كان العامل الخارجي يفرض نفسه ويُعتبر الناخب الاول في اي استحقاق ، اما اليوم وبفعل موازين القوى الموجودة فان العامل الداخلي لا يمكن تجاهله وهو يفرض نفسه في اية مخارج تطرح لحل الازمة.
من هنا فان الحوار الداخلي الذي تجاهله “اللقاء الخماسي” في اجتماع الدوحة يبقى نقطة اساسية ومحورية في انهاء الشغور الرئاسي، وهذا الحوار ليس بالضرورة ان يجمع كل الافرقاء على طاولة واحدة ، بل يمكن ان يكون ثنائيا أو ثلاثيا ، وفي هذا السياق بدأ يُحكى عن بداية حوار جديد إنما في العمق بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” ينطلق من روحية تفاهم “مار مخايل” مع اخذ الكثير من الامور التي استجدت بعد الاعلان عنه بعين الاعتبار، وان هذا الحوار الذي يدور بين الطرفين على مستوى الصف الثاني ربما يُتوج بلقاء يعقد في شهر اب المقبل بين الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس “التيار” جبران باسيل ، حيث ووفق المعلومات فان الفريقين اتفقا على مقاربة الامور من ضمن سلة متكاملة اتى على ذكر البعض منها تفاهم مار مخايل لكن الظروف حالت دون تنفيذها بالكامل وهو ما اوصل الجانبين الى حد القطيعة، وفي حال جرت الامور كما يرسم لها ، وتم الاتفاق على “السلة المتكاملة” التي من ضمنها مرحلة العهد المقبلة، فان ذلك قد يؤدي الى فتح كوة في جدار الازمة يمكن النفاذ منها للخروج من المأزق السياسي، سيما وان الصراع السياسي الموجود حالياً حول الاستحقاق الرئاسي هو صراع على الخيارات لا على اسم الرئيس بحد ذاته.
اما بالنسبة الى الزيارة الثانية المرتقبة للموفد الفرنسي فانها لن تكون بالزخم ذاته الذي طبع الزيارة الاولى، ففي الزيارة الاولى كان القادة في لبنان ينتظرون بفارغ الصبر ما يمكن ان يحمله لودريان من افكار قد تساعد على وضع الاستحقاق الرئاسي على السكة الصحيحة، ام الزيارة الثانية فهي معروفة المضمون والنتيجة في آن معاً، فلودريان سيجول على المسؤولين لاطلاعهم على فحوى اجتماع الدوحة الذي خلى من اي ذكر للحوار، كما انه لن يحمل معه ما يمكن اعتباره خارطة طريق للحل، وان هذه الزيارة ستكون تحت عنوان “اللهم اني قد بلغت” لا اكثر ولا اقل، في ظل حديث عن امكانية ان تنكفئ باريس بعض الشيء عن الملف اللبناني الذي أتعب الرئيس ايمانويل ماكرون اكثر من الملفات الفرنسية الداخلية التي تواجهه، في حال فشل الموفد الفرنسي في إحراز اي تقدم على طريق إنهاء الشغور الرئاسي.
وأمام ما تقدم فانه يتوقع ان يكون صيف لبنان ملتهباً ليس على مستوى اشتداد الكباش السياسي في ما خص انتخاب الرئيس وحسب ، بل على المستوى الاقتصادي والمالي في حال لم يجد اهل الحل والربط هذا الاسبوع فتوى معينة لمسألة مركز حاكم مصرف لبنان الذي سيكون شاغراً مع نهاية هذا الشهر، حيث لن يكون مستبعداً ان يفلت سعر صرف الدولار من عقاله بحيث لا يعود له اي سقف ، وبالتالي تدخل البلاد ومعها العباد في فوضى عارمة لن يكون من الممكن وضع ضوابط لها بسهولة.