“الحزب” طلب وباريس لم تتجاوب.
كتب وليد شقير في صحيفة نداء الوطن.
راهن «حزب الله» على الاتصالات التي أجراها مع الدبلوماسية الفرنسية في إطار قنوات التواصل المفتوحة بينه وبين السفارة الفرنسية في بيروت، وربما عبر قنوات أخرى أيضاً، على أن تأخذ باريس بالطلب اللبناني الرسمي تغيير ما جاء في قرار مجلس الأمن الرقم 2650 الصادر في 31 آب 2022 بالتجديد لولاية قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (اليونيفيل) الموجودة وفق قرار المجلس الرقم 1701 عام 2006 الذي أوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان.
التغيير الذي أراده «الحزب» في نص القرار المقبل، الذي يفترض أن يصوت عليه مجلس الأمن قبل نهاية الشهر الحالي، بالتجديد السنوي لـ»اليونيفيل»، يتناول ما جاء في الفقرة 16 من قرار السنة الماضية ولا سيما النص على أن «اليونيفيل لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، ويُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل». كما أنه يتناول العبارة التي جاءت في الفقرة 17 من القرار 2650 والتي تدعو «الأطراف إلى ضمان حرية حركة اليونيفيل، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلن عنها، وغير المعلن عنها».
والعبارتان يغلب عليهما الموقف السياسي، أكثر من الأمني، وكانتا بمثابة تنبيه إلى الحكومة اللبنانية و»الحزب»، لأنّ قيادة «اليونيفيل» أبلغت السلطات اللبنانية التي احتجت على إضافتهما، أنهما لن تغيّرا في الأصول المتبعة حتى تاريخه أي أنّ الدوريات الأممية تتم بالتنسيق مع الجيش اللبناني، الذي يثني الجنود الدوليين أحياناً عن خرق خصوصيات بعض المنازل…
حين صدر القرار آخر آب من العام الماضي، ثارت قيادة «الحزب» معتبرة أنّ «حرية تنقل» القوات الدولية في منطقة عملياتها جنوب نهر الليطاني، يحولها إلى «قوة احتلال» لأنّ مناصريه يريدون أن تكون «حرية الحركة» لهم حين كانوا يعترضون دوريات «اليونيفيل» عندما كانت تدخل قرى يشتبه بأنّ فيها سلاحاً أو مستودعات. في السنوات الماضية طرحت الدول الفاعلة الرئيسة بقوة، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، بالاستناد لتقارير تتلقاها عن إعاقة دوريات «اليونيفيل» عن طريق «مضايقات وترهيب»، كما تصفها قرارات المجلس والتقارير الصادرة عن الأمانة العامة للمنظمة الدولية، وبفعل تحريض من إسرائيل أيضاً، مسألة حرية تنقل «اليونيفيل»، مطالبة بتشدد القوات الدولية في البحث عن أسلحة يخزنها «الحزب» في منطقة عملياتها خلافاً لنص القرار 1701 الذي يحظر وجود أسلحة خارج سلطة الحكومة اللبنانية.
اشتدت تلك المطالبات لأنّ «المضايقات والترهيب» يقوم بها «الأهالي» ومناصرو «الحزب»، خصوصاً بعدما بنت جمعية «أخضر بلا حدود» البيئية أبراجاً على الحدود، ووزعت حاويات للنقل البحري على الخط الأزرق رافضة طلب «اليونيفيل» تفتيشها أو الاقتراب منها بعد إخباريات من جهات عدة في مقدمها إسرائيل بأنّ هذه الحاويات تحوي أسلحة لـ»الحزب». وردت مشكلة الحاويات هذه كعائق أمام عمل «اليونيفيل» في كافة تقارير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدورية، عن تنفيذ القرار 1701 إلى المجلس خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
خلفيات المعركة حول طلب لبنان إزالة العبارتين في قرار التجديد الآتي سياسية أكثر منها عسكرية. فلا «اليونيفيل» تتهيأ لمواجهة مع مسلحي «الحزب» على الحدود، ولا «الحزب» مستعد لافتعال معركة مع القوات الدولية، ولا حتى مع إسرائيل. فسلوك الجانبين لا يتعدى حتى الآن الإبقاء على حالة تماس تحت سقف تفاوضي، يمهد لترتيب مسألة الحدود البرية، حسب قول أوساط مطلعة على المناخ الإقليمي.
ولأنّ ما يدور من تحديات وامتحانات إقليمية، لم يأخذ الجانب الفرنسي بمطالبة «الحزب» بإلغاء العبارتين من مشروع قرار التمديد الجديد. فالدول المعنية في مجلس الأمن تترك عادة لفرنسا صياغة المسودة الأولى للقرار، وهي تفعل ذلك كل سنة بالتنسيق مع أميركا وبريطانيا. وجاءت المسودة التي وزعت للمناقشة من دون أي تغيير في الفقرتين 16 و17 في شأن «حرية حركة اليونيفيل».
بانتقال وزير الخارجية عبدالله بو حبيب إلى نيويورك من أجل حشد التأييد لتغيير الفقرتين ستكون مهمته صعبة لسببين:
الأول: أنّ مجلس الأمن لا يعود عن نصوص سبق أن وردت في قرارات سابقة.
الثاني: أنّ التشدد الأميركي ضد «الحزب» (وإيران) ازداد بالإصرار على تظهير مسألة سلاح «الحزب» في الجنوب، عبر قرار وزارة الخزانة الأميركية وضع جمعية «أخضر بلا حدود» ورئيسها على قائمة الإرهاب باعتبارها «تغطية لنشاطات الحزب»، قبل عشرة أيام.
يبقى على لبنان أن يركن إلى الموقفين الصيني والروسي. لكن إذا رفضت واشنطن ودول أخرى تغيير الفقرتين، فإنّ المحتمل هو مروره بالأكثرية، باعتراض من بكين وموسكو، لأنهما لا تستطيعان استخدام «الفيتو» على التمديد لـ»اليونيفيل».