الحريري و… خفافيش بيت الوسط

كتب نبيه البرجي في “الديار”:
بعد أن يقول أحدهم في بيروت «انتخابات الأحد أن تختار بين طبق الفول المدمس وطبق الدولارات الطازجة» …
اذاً، «ويك اند» طويل بين البلدات السنّية في البقاع. قيادي في «تيار المستقبل» قال لنا «يظنوننا بالحائط الزجاجي الذي يتناثر بضربات الخافيش. أنظر الى من يحاولون زعزعة القاعدة الحريرية، ألا يشبهون الخفافيش، وقد خرجت للتو من بيت مهجور»؟ لم يلاحظ أن كلامه حمّال أوجه. ألم تخرج تلك الخفافيش من بيت الوسط الذي يبدو الآن أقرب الى البيت المهجور؟
حتى داخل التيار، بدءاً من أحمد الحريري الذي يبحث عن مستقبل خارج «تيار المستقبل»، لا أحد يعلم لماذا تمنّع سعد الحريري عن خوض الانتخابات. نتاج رؤية شخصية أو بفعل ضغوط خارجية؟ هذا ما يجعل التكهنات تذهب بعيداً الى حد القول انها الخطوة الأولى، الخطوة الكبرى، نحو الاعتزال السياسي بعدما فقد المظلة العربية، والمظلة الدولية، وحتى الوهج الذي تركه له أبوه.
لم يعد أمامه سوى الذهاب الى دمشق أو الى طهران. هكذا ضاع أهل التيار، وهم يشعرون بأنهم سقطوا عن الكراسي الذهبية، ولطالما كان قصر قريطم منجم الذهب…
هذا لا يحول دون القول أن التيار لا يزال يستحوذ على الأكثرية السنيّة. البعض لأسباب عاطفية، والبعض لعدم وجود ملاذ آخر. ثمة البعض الثالث الذي يسأل «هل كان يفترض بالشيخ سعد أن يأخذ بذلك السيناريو الذي يقضي بتفجير الصراع السني ـ الشيعي، مع الرهان على زج بعض الفصائل الفلسطينية في الصراع، وتجنيد آلاف النازحين السوريين لتحويل لبنان الى مهرجان للدم»؟
نلتقي بأحد الوجوه البارزة في التيار. قال: «حين ترى كيف يتم شراء الرؤوس، كذلك العباءات واللحى، قد يكون القصد أبعد من ازاحة سعد الحريري عن المسرح وانما ازاحته عن الحياة. كثيرون هنا خائفون عليه من رصاصة قناص اذا ما عاد في هذه الأوقات المجنونة».
مثلما الكثيرون في بيروت يؤثرون المنقوشة والأركيلة صبيحة الأحد على الوقوف في الطوابير التي لن تغيّر شيئاً في المشهد، سواء كانت الغالبية لهذا الفريق أو لذاك. الكثيرون في البقاع يفضلون الذهاب الى حقولهم، أو الى دكاكينهم. أيضاً متابعة «الكرنفال» عبر الشاشات…
المنشقون عن الحريري يتحدثون بلهجة أخرى. «كيف نفسر هروبه في ذروة الأزمة السياسية، وفي ذروة الأزمة الاقتصادية، فيما المطلوب منا أن نبقى على سذاجتنا رهائن في قبضة من تركنا هكذا لتذرونا الرياح»…
بعد تلك السنوات من التهليل والتطبيل، باتوا يرون في رئيس تيار المستقبل «الابن الضال». مثلما لم يحافظ على الارث المالي لأبيه، لم يحافظ على الارث السياسي. يقولون «منذ البداية، لم يكن مؤهلاً لدور قيادي. ونحن نعترف بأن الملك عبد الله أخطأ كثيراً حين اختاره الوريث السياسي لرفيق الحريري كشخصية لا تتكرر».
يعتبرون أن تلك اللحظات التراجيدية جعلت الأكثرية السنية تلتف حول الابن، «… وأنت تعلم أننا، بالرغم من كل مظاهر الحداثة، ما زلنا أسرى المفهوم القبلي للسلطة، حتى ولو كان الأب بمواصفات الصقر، وكان الابن بمواصفات»!…
ثناء على دهاء فؤاد السنيورة، وعلى صلابة أشرف ريفي. ولكن بماذا يختلف فؤاد السنيورة، الآتي من ثقافة الدهاليز عن أولئك الآتين من ثقافة الخنادق (خنادق الحرب الأهلية)، ومن ثقافة القبور (قبور الحرب الأهلية)؟
الحريرية السياسية أمام أزمة وجودية. الأكثرية السنية، وان باتت ضئيلة قياساً على أيام العز، تبقى، الآن على الأقل، مع سعد الحريري الذي يتردد أنه سيعود غداة الانتخابات ليقود التــسونامي السني، ولكن في وجه من، وهو الذي يدرك أي أصابع غليظة تلاحقه خطوة خطوة؟
مؤشرات كثيرة على أن البلاد مقبلة على هزات سياسية، كما على هزات اقتصادية واجتماعية، قد تنتهي بصفقات من النوع اياه. طائف آخر أم دوحة أخرى؟
هذا يعني أن «تيار المستقبل» معرّض أكثر فأكثر للتخلخل. ربما للتحلل. المشكلة أن الحريري اذا عاد سيعود بأيد فارغة، وبأطباق فارغة. الغلبة داخل القاعدة للدولارات الطازجة!!