الحركة المتوسطية: السؤال الوجودي
هو السؤال الوجودي الدائم! سؤال الهوية الذي يبدأ بـ “من أنا؟”، به يحاول الإنسان الفرد اكتناه علّة وجوده، استكشاف معالم طريقه، ما الذي يميّزه من الآخر، ذاك الآخر الذي هو طريق آخر إلى ذواتنا. وهو السؤال الذي يُستكمَل لاحقًا بـ “من نحن؟”، به يحاول الإنسان، ككائن اجتماعي سياسي، معرفة نفسه أكثر، تحديد هويّته المجتميعة الصغرى، وهويته الإنسانية الكبرى، الأشمل؛ معرفة هوية الجماعة المباشرة التي ينتمي إليها، مصيرها، دورها في العالم وسط الهويات المتناغمة أو المتقاتلة، وما الذي يميّزها بين الجماعات الأخرى، وعنها، تلك الجماعات التي هي أيضًا طريق آخر إلى معرفة ذاتنا الحضارية. فالآخر، خصمًا كان أم صديقًا، هو مرآتك. وفي الجماعات، في تلك المرايا المتقابلة، المتعاكسة، ترى الجماعة نفسها، وجهها الحقّ.
لقد خاض مفكّرون سياسيون كُثُر غمار الهوية القومية لتحديدها أو إعادة اكتشافها، سبيلًا أوحد لنهضة الأمة واستعادة دورها بين الأمم. فالهوية ليست فعلًا فكريًا تنظيريًا ماضويًا بقدر ما هي بوصلة الجماعة في مسار ارتقائها وسيادتها وإسهامها الفاعل، لا المستلب، في بناء العالم.
إلّا أن معالجة مسألة الهوية كانت معالجة لاحقة a posteriori لتبرير أو لتقديم السند النظري لفكرة أو لعقيدة سياسية مسبّقة a priori بدلًا من العكس، وهذا ما انطبق على الهوية الطبقية وليس فقط على الهوية القومية أو الدينية. بمعنى أنه جرى إسقاط الإيديولوجيا النظرية على الهوية الفعلية، ما أدّى إلى أدلجتها وتحويرها. وهكذا أُدخِلت الهوية في صراع الأفكار والعقائد الدينية والقومية والطبقية المتطاحنة.
صراع الهويّات المأزومة
إن إسقاط الإيديولوجيا على الواقع أوصل إلى أزمة الهوية بدلًا من حلّها وزاد الحروب والنزاعات باسم الأرض واللغة والدين والعرق والطبقة، وصولًا إلى صراع الأفراد “غير المنتمين” في السوق.
الهويات المأزومة وإشكالياتها:
- الهوية والمتّحد الطبيعي: العقل أسير الجغرافيا
لقد وضع بعض المفكرين السياسيين الخارطة وأسقطوا عليها عقيدة الأمة – المتّحد الطبيعي، بحيث باتت الخصائص المناخية والجغرافية هي المحدِّد الرئيس بل الأوحد لشخصية الفرد والجماعة، والمملي الخصائص النفسية والفكرية عليهما؛ العقل هنا أسير الجغرافيا، حدوده حدودها! وأمّا فكرة الفرد – المجتمع فلم تسعفهم كثيرًا في خلاص العقل من سجن البيئة الطبيعية، وكذلك في فكّ طوق الجغرافيا عن دورة الحياة الأوسع والأشمل. هذه هي الهوية بالنسبة لهم: هوية مادية، الإنسان فيها منتج المتّحد الطبيعي، ودورة الحياة في هذه الجغرافيا أو تلك هي التي تحدِّد شخصية الجماعة وتنشئ الأمة. أمّا العوامل الأخرى، الفكرية والحضارية والسلالية وحتى اللغوية، الآتية من الخارج بفعل الغزوات أو طبيعة الحياة المفتوحة، فكلّها انصهرت في المتّحد الطبيعي فقولبها.
- الهوية واللغة: الفقه السياسي
الأمر نفسه حدث مع المفكرين السياسيين الذين اعتمدوا اللغة كالمحدِّد الأوحد للهوية. هؤلاء أسقطوا اللغويات والألسنيات على الهويات، فقه اللغة على الفقه السياسي. وها هم يأخذون بالحرف من دون الالتفات إلى محمول اللغة الثقافي الذي يتعدّى الحرف بكثير. هناك اللغة، بأحرفها. وهناك اللغة بمحمولها الحضاري الذي يتعدّى الألسنيات بكثير، والذي هو المحدِّد لشخصية الفرد والجماعة. فإذا كنت تتكلم الفرنسية، فلا يعني هذا أنك تحمل روحها التي هي تقاليد أبنائها وفلسفة مفكّريها وأدب أدبائها وشعر شعرائها؛ كلّ هذا هو فلسفة اللغة. فالفرنكوفوني ليس فرنسيًا، كما أن ليس كل فرنسي يحمل الروح الفرنكية الأصيلة.
- الهوية والدين: الاستلاب القهري
وهذا أيضًا حال المفكرين السياسيين الذين جعلوا الدين المحدِّد الرئيس لهوية الفرد والجماعة القومية، قافزين دفعةً واحدة فوق شمولية الأديان التي تتعدّى حدود الجغرافيا واللغة، وإذ بهم يعلون بنيانًا فكريًا هشًّا يتداعى عند أول نزاع فردي، عرقي، طبقي، إثني، قومي أو حتى ديني بين مذاهب الدين الواحد. كما أن المفكرين السياسيين الدَّيِّنين لم يأخذوا بالاعتبار المراحل التاريخية والحقبات الحضارية السابقة على أديانهم، والتي تشكِّل العقل الباطن أو الوعي الكلّي للجماعة التاريخية الحضارية، فاستُلِب الأفراد من الديانات الأخرى، واستُلبت الجماعات الإثنية وسُلبَت منها هوياتها الأصيلة. وبدلًا من أن يكون الدين، بسِمَته العالمية الشاملة، أداةً لصهر الجماعات أو مصالحتها، غدا أداة قهرية غرَّبت الأفراد والجماعات وأقصت شرائح واسعة من الناس، ليس فقط من الأديان الأخرى، بل من طوائف ومذاهب الدين الواحد، وعزّزت النزعات الانفصالية التي لم تعد ترى هويتها في الأمة بعد أن ألبسها رجال الفقه السياسي عباءة الدين والطائفة الطاغيين.
- الهوية والعرق: الدم يقهر الروح
وأمّا الذين نظّروا للعرق أساسًا لتكوين شخصية الفرد وخصائص الجماعة فقد وقعوا في حتمية بيولوجية جينية مادية أطاحت دفعةً واحدة بالخصائص النفسية والروحية الفريدة للأفراد والجماعات المنتمية حتى إلى العرق ذاته، كما وقعوا في داروينية اجتماعية لا تقيم وزنًا حتى للإرث الثقافي والروحي المُكوِّن، أو المُسهِم في تكوين، شخصية الفرد والجماعة. لقد غلّبوا رابطة الدم على رابطة العقل والروح، وإذ بالبشرية في تقسيماتها العرقية أجناسًا وفصائل شبيهة بأجناس وفصائل الحيوان والنبات!
- الهوية والطبقة: البروليتاري ضحية وعيه المادي التاريخي
قِسْ على هؤلاء أيضًا الماديين التاريخيين الذين استبدلوا الهويات، على اختلاف مشاربها وألوانها، بالانتماء المادي الطبقي جاعلين من “الـ معه” (مال) ومن “اللا معه” المكوِّن الأوحد لشخصية الفرد ووعيه، ضاربين عرض الحائط كل الموروث الثقافي والروحي والحضاري للأفراد والجماعات؛ هي قطيعة كاملة، جذرية، عنيفة، استلابية عن الله والطبيعة، عن الحياة. جيبك رأسك، ورأسك جيبك. جيبك يحدِّد قماشتك الاجتماعية والفكرية. وعيك في جيب بنطالك. هنا، أنت أمام إيديولوجيا بروليتارية مادية أسقطت نفسها على الواقع المادي والنفسي والروحي في أكبر عملية استلاب للفرد والجماعة، وحتى لطبقة العمّال أنفسهم. أنت أمام منظومة قيم مادية أدلجت الطبقة العاملة، زجّتها باسم الوعي البروليتاري في أتون صراع طبقي كان العامل ضحيته، أضحيته الأولى، على يد النومونكلاتورا – الطبقة العمّالية المتبرجزة الحاكمة: ها عامل الأمس، البروليتاري الكامل، برجوازي المستقبل.
- السوق واللاهوية: السقوط الآدمي الثاني
أمّا الذين رفضوا فكرة الهوية الجماعية من الأساس، ومعظمهم من الليبراليين، فكان رفضهم ردًّا على حروب الهويات. استعملوا فكرة الفرد – الكائن غير المنتمي، الكائن – الذرّة، ضد فكرة الجماعة ونزعتها ونزاعاتها، فكان مذهبهم الفردي مصطنعًا ومنافيًا للواقع، وقعوا وأوقعوا الفرد في نزعة المنفعة الفردية الغرائزية التي لا تبني إنسانًا، مجتمعًا والأهم أنها لا تبني الحضارة؛ تُعلي بنيان مدنية مادية استهلاكية فارغة من الروح، حداثة متصحِّرة فكريًا ونفسيًا وروحيًا وقيميًا وأخلاقيًا تُسقِط الإنسان والمجتمع في أسفل مدارك الحياة البهيمية، تُحوِّل الجماعات إلى قطعان سوقية تائهة على وجهها. إنه السقوط الآدمي الثاني إلى مدارك الحيوانية بعد السقوط الأول إلى البشرية. إنه الإثم اللاحق، الخطيئة الثانية، التي لا خلاصًا بعدها ولا عودة إلى جنّة الله: إنه السقوط في “جنّة السوق”، تلك الجحيم المالُ فيها إلهُ تمر تصنعه فيأكلك.
الهوية المتوسطية: مفهوم الهوية حضارية
ماهية الفكرة المتوسطية:
نحن متوسطيون، وهويتنا المتوسطية ليست إيديولوجيا أو فكرة قومية أو عقيدة سياسية بل هي مشروع حضاري كبير. فمفهومنا للهوية هو مفهوم الهوية الحضارية الشاملة الجامعة، لا تلك الهويات المأزومة القائمة على الجغرافيا واللغة والدين والإثنية والعرق والطبقة، وليست قطعًا تلك اللاهوية السوقية اللاحضارية.
لعلّ أكثر ما ينطبق على الهوية المتوسطية تعبير “الفكرة”.
بيد أن هذه الفكرة ليست إسقاطًا إيديولوجيًا تنظيريًا فوقيًا على الواقع المتوسطي لإيجاد السند الفكري لمفهوم “الهوية المتوسطية” بقدر ما هو التنقيب في “أركيولوجيا العقل” وصولًا إلى الكشف عن تلك الهوية الحضارية وبلورتها في بنيان سياسي جامع.
البحث هنا عن الهوية ليس كشفًا جغرافيًا وترسيم حدود لأمّة وشعب، بل هو تنقيب عن “آثار العقل”: الجغرافيا هنا تراب، والهوية ما تحته بل ما فوقه.
والبحث هنا عن الهوية ليس الكشف عن الوعي البروليتاري الفقيري أو المتبرجز، وعسكرته في صراع الطبقات. لا، إنه التنقيب في طبقات الوعي للوصول إلى تلك الهوية الحضارية الشاملة الجامعة في خدمة الحياة، إنسانًا ومجتمعًا، بل في خدمة المجتمع البشري والإنسانية جمعاء.
والبحث هنا عن الهوية هو علم جينات من نوع آخر: ليس علم الجينات الوراثية بل جينات الإرث الحضاري، ليس علم الجينات البيولوجية بقدر ما هو علم جينات الحضارة. إن الدم الذي يربط أبناء الحوض المتوسط ليس الدم الأحمر، بل “الدم الأزرق”. وليس نار ذاك الدم القاني الساري في عروق إله الحرب مارس، بل تلك الشعلة الزرقاء على جبين بروميثيوس المُحْيي.
والهوية “الدينية” هنا ليست بحثًا في طبيعة الله وجنس الملائكة، وتقسيم الناس بين أبناء جنّة وأبناء نار. ليست لاهوتًا أو فقهًا سياسيًا يعلي سماوات الفرق الناجية فوق الجماجم، جماجم المؤمنين بدايةً. وليست الهوية هنا تبريرًا إلهيًا لسلطانٍ في الأرض، ولا لحكم شريعة، “أرملة سوداء” تلتهم أزواجها وأبناءها أولًا. لا، الهوية الدينية هنا هوية روحية يستمدّ فيها الإنسان، كل إنسان، قدسيته من قدسية الله. هنا الهوية علم النفحة الأولى، نفحة الله من روحه في ترابنا؛ هنا نحن البشر جغرافية الله المقدّسة. هنا الهوية علم اللاهوت الأول، لاهوت الأول، لاهوت الله السابق ناسوت الأنبياء وألواح الشريعة.
وهنا الهوية ليست علم الألسنيات.
الهوية هنا هي لغة الروح المتوسطية، لغة العقل المتوسطي، لغة ذاك الحوض المتوسطي الحضاري الألفي مهد الفلسفات والأديان والحضارات القديمة والحديثة.
الهوية هنا هي فلسفة الحضارة، فلسفة التاريخ، فلسفة الدين، فلسفة الحياة، فلسفة اللغة، فلسفة الاجتماع البشري.
والهوية هنا ليست مفهومًا ماضويًا، بل هي هوية فاعلة لبناء عالم أفضل، لخلق الأرض الجديدة.
فلسفة الحركة المتوسطية:
البديل الحضاري عن الأصوليتين
المتوسط وسط الأرض: قلبُ العالم وعقلُه
المتوسط مهدُ الأديان والحضارات القديمة التي أسَّست العالم. وهذا المتوسط نفسه، بحرُنا، على موعدٍ اليوم لبعث الأرض الجديدة. فالحركة المتوسطية ليست حركة سياسية إقليمية فقط بل هي حركة كونية لبناء إنسان جديد وعالم جديد، وهذه أسسها الفلسفية ومبادئها الروحية:
أولًا: الأسس الفلسفية
- فلسفة الوسط الراديكالي أو الخط الثالث: إن الفلسفة الوسطية هي فلسفة هويتنا وحركتنا المتوسطية. إلّا أن هذه الوسطية ليست اللاموقف أو الموقف الرمادي، إنّما هي نقيض النقيضين معًا – النقيض الجذري لتطرّفين يحكمان عالم اليوم: التطرف الديني والتطرف المادي.
- فلسفة الثورة الثقافية الكبرى: إن الحركة المتوسطية هي حركة ثورية جذرية تحمل مشروعًا حضاريًا كبيرًا على أساس نظرة مختلفة إلى الإنسان والله والحياة. مشروع حضاري بديل يعيد للإنسان هويته وقيمته الحقيقية، وللحياة معناها وغايتها العليا، وللأرض نظافتها الطبيعية والروحية، وللسياسة أخلاقياتها وآدابياتها، كل هذا وسط تطاحن الأديان والمذاهب في ظل أصوليات دينية رفضية ظلامية إرهابية إلغائية تحوِّل العالم إلى شريعة غاب وبحيرة دم وبحر ظلمة من جهة، ووسط تطاحن الأسواق والطبقات من جهة ثانية في ظل رأسماليات مادية متوحِّشة تحوِّل العالم أيضاً إلى شريعة غاب وأسواق نخاسة واستغلال وجغرافيات تهميش وفقر واستعباد.
ثانيًا: المبادئ الروحية
- هويتنا هي الهوية المتوسطية مصهر الحضارات والأديان والثقافات والجماعات والأفراد لغايةٍ عظمى هي ارتقاء الإنسان والحياة ارتقاءً مادياً وروحياً شاملاً.
- هويتنا المتوسطية وارثة الثالوث المتوسطي الأقدس: التوحيد المشرقي والعقل اليوناني والقانون الروماني. نستلهم وحدة الوجود الروحية من التوحيد المشرقي، وحدة الله والكون والإنسان؛ ونستلهم العقل من الفلسفة اليونانية شرعاً أعلى للحياة والاجتماع البشري؛ ونستلهم فكرة المواطنة المطلقة من القانون الروماني أساساً لتنظيم المجتمع وتخطيط الدولة.
- هويتنا المتوسطية هوية إنسانية حضارية ترفض صراع الأديان والحضارات.
- هويتنا المتوسطية تقوم على فكرة الوحدة الروحية للبشرية، وهي بالتالي هوية روحية توحيدية جامعة تُناقض وتنقض الهويات الدينية والطائفية والمذهبية الأحادية الرفضية الرافضة الآخر.
- فكرتنا المتوسطية مشروع دين إنساني إيجابي شامل بديل عن كل دين سلبي أحادي رفضي:
- دين روحي شخصي صرف في علاقة الإنسان الإيمانية بالله.
- دين أخلاقي، قيمي وحضاري جماعي في علاقة الإنسان بالإنسان.
- فكرتنا المتوسطية دين الطبيعة والحياة:
- دين طبيعي، الخلاص عبره في الأرض وليس منها.
- دين يؤكد الحياة، يعليها ويمجّدها ولا ينفيها ويسفِّهها.
- فكرتنا المتوسطية ديانة وجودية – روحية توحّد الله والإنسان، لا ثنائية تفصل بينهما:
- فكرة وجودية – روحية تقول إن العالم هو تمظهر الروح الإلهي، وإن الإنسان هو تمظهرها الأسمى: احترام قدسية العالم وحياة الإنسان هو احترام قدسية الله والروح الإلهي فينا.
- فكرتنا الدينية المتوسطية تقول إن الله هو فطرة الإنسان الأعمق وعقل الكون الأرفع:
- الله هو فطرة الطبيعة وعقل التاريخ.
- كل ما هو إلهي هو طبيعي وعقلي، وكل ما هو طبيعي وعقلي هو إلهي.
- تخطيط الدولة والمجتمع يجب أن يكون تخطيطاً عقلياً رفيعاً في خدمة الإنسان كقيمة الوجود العليا ليكون تخطيطاً طبيعياً إلهياً: التمييز بين الإنسان والإنسان منافٍ لله ولوحدة الروح الإلهي الواحد فينا وفي الحياة.
الحركة المتوسطية:
من نحن؟ وما هي رسالتنا؟
- نحن متوسطيون، وهويتنا المتوسطية هوية حضارية وروحية شاملة تتعدّى الجغرافيا واللغة والدين والعرق والإثنية والطبقة في مفهومها المادي.
- نحن ورثة العقل اليوناني والقانون الروماني والروح المصرية القديمة وأمّة الأبجدية فينيقيا وسوريا الرواقية أم الأباطرة وحضارة بلاد الرافدين بألواحها الحضارية والعمرانية الأولى والشخصية المغاربية السمحة وتونس ملتقى الحضارات والتعددية الحضارية وفرنسا الأنوار وإيطاليا النهضة وإسبانيا الأندلس – هذه هي شخصيتنا المتوسطية الحضارية.
- نحن ورثة شخصية المسيح وإسلام الوسط والمدارس الروحانية الحِكَمية شرقًا وغربًا – هذه هي شخصيتنا المتوسطية الروحية.
- نحن المشروع الحضاري والروحي الوحيد في عالم اليوم حيث تسود أمبراطوريات آلهة المال والدم: نحن رُسُل السماء والأرض الجديدة الموعودتين.
- نحن حملة الرسالة الجديدة: رسالة توحيدية جديدة للعالم تصالح الإنسان والإنسان في الحقيقة البشرية الإلهية الواحدة، وتصالح الأديان في روحها الأزلي الذي هو الله، وتصالح أقانيم الدين والعلم والفلسفة في غاياتها الحضارية العليا.
- نحن الإصلاح والتجديد الديني الكبير، نحن قوة تجديد الروح في العالم.
- نحن الثورة الروحية على الظلاميين التي ستغيّر وجه العالم، نحن بناة ملكوت الله على الأرض: ملكوت العقول والقلوب، نظام حكم العدل الإلهي والأخوة الإنسانية.
- ونحن الثورة الثقافية والأخلاقية ضد الانحلال الخلقي وانهيار القيم.
مشروعنا، الاتحاد المتوسطي الكبير:
الخط الثالث البديل عن صراع المحاور
- نسعى لبناء الوحدة المتوسطية بهويتها الحضارية والروحية الأصيلة، وحدة ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية شاملة بين بلدان المتوسط .
- شعارنا: “هذا بحرنا – Mare Nostrum”، وتحت هذا الشعار ورايته الخفّاقة سنبني “الاتحاد المتوسطي الكبير”:
- عاصمته الحقوقية بيروت أُم الشرائع – Berytus Nutrix Legum .
- وعاصمته الروحية مدينة “القدس الجديدة” المفتوحة لجميع الديانات – مدينة السلام الملكيصادقي.
- وعاصمته الفكرية أثينا – مدينة الفلاسفة.
- وعاصمته الثقافية باريس – مدينة الأنوار العقلية.
- وعاصمة نهضته “روما المتجدّدة”.
- وعاصمته الحوارية بلاد “الأندلس الإيبيرية”.
- وعاصمته المشرقية دمشق مدينة الياسمين.
- وعاصمته العمرانية “بابل الجديدة”.
- وعاصمته الحضارية تونس ملتقى الحضارات وجسر الثقافات.
- ومكتبته العظمى الإسكندرية المقدونية – منارة الحضارة الأورو- آسيوية.
- وعاصمة كتابه الأقدس بيبلوس – ينبوع الله وأُم الحرف.
- نحن لا نتوجّه شرقًا ولا غربًا، بل في وعائنا المتوسطي الحضاري يلتقي الشرق والغرب، والشمال والجنوب.
- تربطنا بالبلدان العربية عروة العروبة المتوسطية الحضارية.
- نتطلّع إلى التكامل الحضاري والثقافي والسياسي والاقتصادي بين “الاتحاد المتوسطي الكبير” و”الاتحاد الأوروبي” من خلال الشراكة الأورو – متوسطية وتفعيل إعلان برشلونة وتطويره، ونتطلّع لأن تبعث الفكرة المتوسطية الحضارية روح النهضة في الجسد الأوروبي المتهالك في ظلّ مأزق الهوية الحضارية في أوروبا والتصحّر الفكري الضارب في يوروقراطية بروكسل: العقل (التنوير) الأوروبي يحتاج إلى الروح (النور) المتوسطي.
- إن الهوية المتوسطية ليست هوية إقليمية شوفينية، فالمتوسط هو ملتقى القارات وبالتالي فإن الهوية المتوسطية “هوية أورافراسية” Eurafrasie (أوروبية – أفريقية – آسيوية) ومشروعنا المتوسطي مشروع وجودي – روحي، إنساني حضاري، يهدف إلى قيام وحدة روحية بين العالمين الأوروبي والآسيوي وتالياً إلى وحدة روحية عميقة بين الشرق والغرب: إن الشجرة المتوسطية هي تلك الزيتونة المباركة، زيتونة لا شرقية ولا غربية.
- نحن مع الدولة الروحية الجامعة المساوية بين جميع الأديان والجماعات والأفراد المؤمنين وغير المؤمنين ونحن ضدّ الدولة الدينية الأحادية وكافة أشكال الأنظمة الثيوقراطية.
- الحركة المتوسطية وتركيا: المتوسطية هي النقيض الجذري للنزعة العثمانية الطورانية، فالخلافة العثمانية خنقت كل الحضارات المتوسطية وقتلت روحها، وعليه وحدها “تركيا الحاملة الروح المتوسطية” لا العثمانية يمكن أن تكون عضوًا في “الاتحاد المتوسطي الكبير”.
- في العلاقة مع إسرائيل: إن الفكرة المتوسطية فكرة بوتقة حضارية وروحية كونية وليست فكرة بقعة جغرافية. وعليه لا يمكن أن تكون إسرائيل الدولة اليهودية الصافية جزءًا من اتّحادنا المتوسطي كونها دولة دينية أحادية بحكم فصل عنصري ديني وهي بهذا النقيض الجذري للمتوسطية وللروح المتوسطية الكونية، وكونها تحتل أراضي بلدان متوسطية هي لبنان وسوريا وفلسطين. ومن دون حل القضية الفلسطينية حلًّا عادلًا وشاملًا يرضي الشعب الفلسطيني صاحب القضية لا يمكن أن تكون إسرائيل في اتحادنا المتوسطي الحضاري.
- بالنسبة للقضية الفلسطينية نقترح “حلّ الدولة الواحدة”: لا يمكن إقامة سلام حقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى في إطار حلّ الدولتين بوجود إسرائيل الدولة الدينية العنصرية والاستيطانية التوسعية. وبرأينا الحلّ الأوحد للقضية الفلسطينية التي هي جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي هو الحلّ المتوسطي – حلّ الدولة الواحدة – القائم على تفكيك وهدم نظام الأبارتايد الإسرائيلي، وهو نظام الفصل والقتل العنصري الديني الوحيد المتبقّي في العالم، وإقامة دولة اتّحادية عربية – عبرية على أساس المواطنة الكاملة المتساوية لجميع أبنائها اليهود والمسيحيين والمسلمين ومن دون أي تمييز ديني وعنصري وإثني، ويعود إليها أيضًا فلسطينيو الشتات وهم من السكّان الفلسطينيين الأصليين. وهذه الدولة الاتّحادية، وعاصمتُها القدس مدينة مفتوحة لجميع الديانات، يُقبَل انضمامها إلى اتّحادنا المتوسطي: ليكن “اليوم التالي” بعد حرب الـ 75 عامًا يوم الدولة الاتّحادية المتوسطية من الماء إلى الماء – من النهر إلى البحر.
- إن السلام المتوسطي هو سلام ملك السلام ملكيصادق، وهو “سلام أحيرام – سليمان” لبناء بيت لله مختلف لا تسعه السموات وسماء السموات، بيت الله الحقّ الذي هو قلب الإنسان وليس بيتًا من حجر، وهيكله الحقّ البشر جميعًا هياكل الروح القدس.
- نحن رُسُل السلام الرؤيوي الإلهي، رُسُل السماء الجديدة والأرض الجديدة ومدينتُنا المقدّسة أورشاليم الجديدة النازلة من السماء من عند الله مسكنًا له مع الناس.
- الحركة المتوسطية ولبنان: الروح الفينيقية المتوسطية هي روح الأمة اللبنانية.
- نحن المتوسطيين ورثة الشخصية الفينيقية الحضارية القديمة، ونحن استمرار مشروع الوحدة السياسية والنهضة الحضارية الذي أطلقه وقاده الأمير فخر الدين المعني الكبير مؤسِّس ثاني أمبراطورية لبنانية متوسطية ضمّت لبنان وسوريا وفلسطين بعد هنيبعل الصوري باني قرطاجة العظيمة سيدة البحار.
- نحن على خطى أمير البرّ والبحر المتوسطي وخطّه الحضاري العمراني: خط النهضة من بيروت إلى توسكانا – هذا “طريق الحرير” المتوسطي.
- نحن ورثة الإمارة المعنية العظمى: إنه زمن الأمبراطوريات ولبنان الـ 10452 كلم2 هو نواة الأمبراطورية اللبنانية المتوسطية الثالثة التي سنبنيها وهي أمبراطورية العقل اللبناني التي لا تغيب عنها الشمس.
- إن النزعة الطائفية البغيضة قضت على الروح الفينيقية المتوسطية الحضارية وخنقت روح فينيقيا العظمى وقتلت إرادة قوّتها وجبروتها وتوسّعها، والقضاء على الطائفية هو استعادة هذه الروح، وبناء لبنان المتوسطي الحضاري هو شحذ الهِمم والطاقات الهائلة والعقول اللبنانية الفذّة لبناء أمبراطورية لبنانية حدودها حيث يقف آخر لبناني.
- هدفنا إسقاط ومحاكمة الطبقة السياسية الرثّة التي هدمت لبنان حربًا وسرقته سلمًا بالتكافل والتضامن، والتي لا تملك أيّة رؤية حضارية للبنان، واستبدالها بالنخبة الحقيقية الفكرية والثقافية والروحية المتنوِّرة والنهضوية ومهمتها بناء البلد بناءً متوسطيًا حضاريًا وأخلاقيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا كمكوِّن أساسي في “الاتّحاد المتوسطي الكبير”.
- نحن ضد الانخراط في سياسة المحاور ومحورنا الأوحد هو ذاتنا المتوسطية الحضارية.
- وسطيتنا هي سياسة الحياد الإيجابي الفاعل، وهي وسطية صراعية حضارية: بين المحاور والاستقطابات نختار ذاتنا المتوسطية الحضارية الفذّة وهي قطب العالم الفريد.
- حيادنا هو الحياد الحضاري: حيادنا ليس اللاموقف بل البديل الحضاري.
- المتوسطية هي الطريق الثالث.
لقد أورثتنا الهويات المأزومة النزاعات والحروب، والدمار والموت، وها طائر الفينيق المتوسطي ينبعث من الرماد ليُشعِل شمس السماء الجديدة والأرض الجديدة.
فيا فيانقة العالم اتّحدوا!