رأي

الحرب في السويد

كتب فاروق يوسف, في “العرب”:

الطريق سالكة أمام اليمين المتطرف في السويد ليطبق نظريته المزدوجة في الحرب باتجاهات مختلفة؛ الحرب على المهاجرين والحرب على روسيا كما لو أنهما الشيء نفسه، وهو أمر نادر وغريب

السويد بلد آمن، درجة الأمان فيه عالية إلى المستوى الذي ينسى معه المرء حذره التقليدي. لا لم تعد السويد كذلك. صار ذلك البلد ملعبا للجريمة المنظمة وفي الوقت نفسه تدعو الحكومة مواطنيها إلى الالتزام بتعليمات الدفاع المدني فيما يتعلق بإجراءات السلامة الخاصة بالحرب النووية. هل جُن البلد المعروف بحياده الاستثنائي؟

لم تكن موفقة فكرة ظهور ولية العهد باللباس العسكري، حتى لو كان انخراطها في الخدمة العسكرية ضروريا لمنصبها. أما أن يتم التلويح بسن قانون يشجع على الهجرة المعاكسة في بلد هو في أمس الحاجة إلى الأيدي العاملة فإن ذلك يعبر عن خفة سياسية لا يمكن تفسيرها إلا بالردة إلى سلوك عنصري لم يعد مقبولا في عصرنا.

حسنا أن تفكر الحكومة السويدية في سن قانون يجرم حرق الكتب الدينية المقدسة. تلك خطوة تطمئن من خلالها السويد المسلمين من مواطنيها إلى أن عقيدتهم تحظى بالاحترام. غير أنها تأخرت كثيرا. فبعد أن صُدم أولئك المواطنون بما رأوه من سلوك الشرطة وهي تحمي عمليات حرق المصحف في الساحات العامة فإن شعورهم بأنهم صاروا هدفا للكراهية صار بمثابة مؤشر لاقتراب اللحظة التي يتم فيها عزلهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية.

وقبل أن تعلن الأحزاب اليمينية عن خطتها لتشجيع المهاجرين على العودة الطوعية إلى بلادهم أو اختيار أي بلد آخر للإقامة فيه فإن آلافا من المهاجرين كانوا قد غادروا السويد. فبغض النظر عن العنصرية فإن العيش في السويد صعب. فالبرد يطغى على كل شيء بدءا بالمناخ وانتهاء بالعلاقات الاجتماعية. مناخ بارد ومجتمع بارد. وإذا ما عرفنا أن معظم المهاجرين جاءوا من بلدان حارة مناخيا واجتماعيا يمكننا أن نقدر حجم الخسائر التي مني بها أولئك المقتلعون.

◄ ديمقراطية السويد حقيقية ومتجذرة. من خلالها سيدافع السويديون، ومن ضمنهم السويديون الجدد وهم المهاجرون، عن حياتهم

ذلك كله في جانب وأن تتحول السويد إلى دولة حرب هو في جانب آخر. لم تكن السويد في حاجة إلى الانضمام إلى حلف الناتو. في أسوأ لحظات الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي أيام الحرب الباردة حافظت السويد على حيادها. وهو موقف كان مفيدا لها وللغرب في الوقت نفسه. لم تكن هناك حاجة غربية لسويد منحازة. فالسويد دولة غربية في كل شيء. شعبها غربي الطابع والتفكير وإن كان يعتز بتاريخه الذي لم يكن تاريخ عزلة تماما. فالفايكنغ وصلوا إلى الجزر البريطانية يوما ما.

دائما كان هناك قدر لافت ورفيع من الإنسانية حرص السويديون على أن يميز مواقفهم من الأزمات العالمية. أحاط ملك السويد كارل غوستاف ذات مرة عنقه بالكوفية الفلسطينية ولم يعترض أحد بالرغم من أن الملك لا يملك الحق في إبداء آراء سياسية. لقد اعتبر ذلك السلوك إنسانيا. غير أن شيئا ما حدث قد قلب كل شيء رأسا على عقب. ففي مواجهة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على أهل غزة كان الموقف السويدي من أسوأ المواقف.

من أتيحت له مراقبة المشهد السياسي في السويد لا بد أن يعرف أن صعود الأحزاب اليمينية التي هي حديثة النشأة قد ترافق مع غياب الشخصيات الحزبية التي كان لها حضور وتأثير قوي في الحياة السياسية. كل أحزاب اليسار والوسط واليمين المعتدل إما فقدت زعماءها أو أنها تخلت عنهم بطريقة ما. لذلك صارت الطريق سالكة أمام اليمين المتطرف ليطبق نظريته المزدوجة في الحرب باتجاهات مختلفة؛ الحرب على المهاجرين والحرب على روسيا كما لو أنهما الشيء نفسه. وهو أمر نادر وغريب.

غير أن من المؤكد من وجهة نظري أنها تجربة لن تصل إلى حدود التطبيق. ذلك لأن الشعب السويدي في معظم فئاته يُعنى بوضعه الاقتصادي وما من شيء يمكن أن يغريه للتخلي عن رفاهيته التي هي بالرغم من تقشفها تظل عنوانا للرخاء الإنساني. ديمقراطية السويد حقيقية ومتجذرة. من خلالها سيدافع السويديون، ومن ضمنهم السويديون الجدد وهم المهاجرون، عن حياتهم.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى